ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم : ليس لدى أحد الرغبة في تجاهل مشهد الأمس بكل ما فيه من تفاصيل، ولا إغفال المقاربات المتشعبة التي انطوى عليها، حين كان الاختبار في التوقيت والمكان وحتى الزمان، ليقدّم السوريون محاكاتهم المعهودة من جديد.
هي إرادة السوريين في مواجهة الإرهاب غير مرة.. وإرادة الحياة التي يجسدها السوريون كل يوم.. وفي كل مرة، يحاول فيها اليائسون النيل من هذه الإرادة.. وفي كل مرة، يجرب الخائبون أن يستهدفوها وهي التي أتقن السوريون صنعها، وأتقنوا الايمان بها وصنعوا منها وعبرها حضارة وتاريخاً وإنسانية.
منذ بداية الأحداث، كانت هذه الإرادة الرهان الرابح.. ومع كل جولة من الصخب السياسي لأطراف المؤامرة، ومع كل فصل من الإرهاب الحاقد، كانت تزداد وضوحاً وقوة.
في الأمس، كانت تجربة أخرى في التحدي، وكانت ترسم في الضفة الأخرى، خيبة عكستها أصوات بائسة ومفلسة لم تتوقف عن الصيد في الماء العكر، تبحث في قاعٍ آسن ودون جدوى.
وفي الأمس أيضاً، كانت قد سبقتها حفلة التباكي من على منبر الأمم المتحدة التي تعكس قلقاً واضحاً على مصير الإرهابيين والقتلة، وكانت خلفها وأمامها الشواهد والأدلة والبراهين على ما وصلوا إليه!!
وفي الحالين بعض مما هو مؤكد أن المكابرة على المنابر تعكس الإفلاس الذي يحاصر الإرهابيين في محاولاتهم وفي الأفق المغلق الذي يواجههم..
لا نعتقد أن حفلة التباكي التي شهدنا بعض فصولها الجديدة أمس، خارج الحالة ذاتها التي تحاكي الواقع الذي وصلت إليه المؤامرة بأدواتها وأطرافها ومرتزقتها.. ومع ذلك، لم يغب عن بالنا أن للمعركة بقية، وأن للصراع جولات أخرى لم تنتهِ بعد، ولم ننسَ للحظة أنهم غدّارون ومرتزقة وأجراء وتابعون..!!
في كل جولة عبرة ودرس ومواعظ لا تنتهي وإدراك جديد أنهم مهما فعلوا، لن يكون بمقدورهم تغيير المعادلة ولا التأثير في اتجاهها.. ومهما كابروا ومهما احتلوا من منابر واغتصبوا من مواقف.. فلن ينالوا من عزيمة السوريين ولا من إصرارهم.
هي حكاية التاريخ التي تجيدها دمشق ويحفظها السوريون إلى حد الاتقان.. دمشق كعادتها كانت أقوى.. والسوريون كانوا أقدر على استعادة نبض الحياة.. كي يجددوا رفضهم للإرهاب ومجرميه، لرعاته وحاضنيه ومموليه والمتشدقين به والمتباكين على إفلاسه وفشله.
دمشق مدينة الحياة التي لا تصمت أبداً.. المدينة التي لا تغفل ولا أحد بمقدوره أن يأخذها إلى مكان غير مكانها وموقع غير موقعها.. ودور غير دورها.
سمعنا بالأمس وسنسمع اليوم وربما غداً أيضاً، حفلات المجون السياسي.. لكن، بالتأكيد لن يسمع أحد إدانتهم لهذا الإرهاب.. وإن كنا لا ننتظرها ولا نبني عليها، بل لا نطالب بها ولا نحتاجها.. فلن تقدم ولن تؤخر وقد غاصت أقدامهم في هذا الإرهاب الأسود والحاقد.. وتورّمت أصابعهم داخله.. ونمت مواقعهم وأدوارهم من خلاله..
هي دمشق العصيّة على النيل…إرادة الحياة فيها تقدم لنا اليوم وغداً كما قدمت قبلهما أنها القادرة دائماً على صياغة المعادلات وقلب الحسابات وإفشال المخططات.
ما فاتهم أمس، هو ذاته الذي لم يرغبوا في رؤيته.. ولا يريدون التسليم ولا الإقرار به، وما عجزوا عنه في السياسة والضغط والتهويل والعقوبات والحصار.. لن ينالوه بالإرهاب ولن يحصلوا عليه عبر المرتزقة والأجراء والتابعين..
رد دمشق كما هو رد السوريين، أنهم يتمسكون بخياراتهم أكثر من أي وقت مضى.. وهم ماضون في طريق، يدركون أن مفازاته الصعبة باتت خلفهم.. وأن خطواتهم الواثقة وإرادتهم الصامدة ستحسم المواجهة، وستجتاز ما تبقى من تلك المفازات في وقت أقرب مما يتوهّم المتآمرون..
صبر دمشق لا تختبروه أكثر من ذلك.. وحفلات تباكيكم لا تغير في المعادلة.. بل هي تأكيد لما هو مؤكد وإثبات جديد لما هو مثبت.
a.ka667@yahoo.com