ثورة أون لاين – بقلم: العميد د. أمين محمد حطيط :
أسئلة كثيرة قد تطرح ربطا بما جرى في تركيا ليل 15-16\7\2016 ، حيث خرج قسم من الجيش التركي على سلطة حزب العدالة و التنمية و حكومة اردوغان ، خروج يوصف وفقا لما ظهر بانه انقلاب عسكري نفذ أصحابه المرحلة الاولى من مراحل الانقلابات العسكرية
و هي مرحلة الانتشار السريع و السلس للامساك بمفاصل الدولة و المناطق الحساسة ، لكنهم اصطدموا اثناء تنفيذ المرحلة الثانية بما لم يتحسبوا له ، ففشلوا في عملية السيطرة على الأرض و القبض على القيادات السياسية و العسكرية الأساسية او بتحديد اكثر فشلوا في عزل دائرة القرار و صنعه ، ما جعلهم عاجزين عن الوصول الى المرحلة النهائية التي يعول عليها في الانقلابات العسكرية وهي مرحلة الإمساك بالسلطة بالاستناد الى شرعية التغلب و السيطرة بالقوة .
والسؤال الأول الذي يتبادر الى الذهن يتمحور عن سبب هذا الإخفاق رغم ان المرحلة الأولى من الانقلاب نجحت حيث تمكن الانقلابيون من اقفال المطارات والسيطرة على العاصمة و وقف محطات البث التلفزيوني الرسمي والحؤول دون وصول المسؤولين الرسميين الى مقرات عملهم .ما دفع رئيس الدولة الى الظهور بمظهر يعبر عن الضعف والاهتزاز في الموقع و يسلم ضمنا بانه فقد السلطة وراح يستجير بالشعب التركي ليعيدها اليه، رغم كل ذلك عجز الانقلابيون عن متابعة إجراءات انقلابهم لعلة ما قد تكون سوء التخطيط او سوء تحديد الاولويات او عدم كفاية القدرات العسكرية، او عدم تقدير الموقف بدقة او عدم تقدير قوة الحكومة وامتداداتها الداخلية والخارجية وفعالية تلك الامتدادات وقوتها.
قد يقال ان اردوغان استطاع عبر التغييرات التي اجراها في منظومة القوانين التي ترعى الشأن العسكري و التعيينات العسكرية التي اجراها تبعا لذلك ، استطاع ان يمنع تشكل مراكز قوى مطلقة وفاعلة في الجيش تمكن من الإمساك الكامل بالقرار العسكري وبالقوة العسكرية الكافية التي تجعل صاحبها هو الحاكم العسكري الفعلي للدولة فعمليات التشذيب و التطهير شتتت القرار ووزعت السلطة و اقامت على كل منصب رقيب و وزعت القوى حتى اذا فلت منها جزء من السلطة تصدت له الأجزاء الأخرى ما يشي بالقول ان زمن الانقلابات العسكرية قد ولى .
و قد يقال ان اميركا لم تكن موافقة على هذا الانقلاب و لم تمنح الانقلابين غطاءها و لم تضغط على اردوغان للفرار و تسليم السلطة «حقنا للدماء و تسريعا للاستعادة الاستقرار» ، قد يقال هذا رغم ان التصرف الأميركي و الاشاعات التي راجت حول عمل عسكري أميركي ما نفذ ضد الانقلابيين في لحظة حاسمة منعهم من متابعة مسيرتهم الناجحة هي اشاعات كثيرة و صحيح ان الاخذ بها غير مأمون العواقب لكن المواقف الأميركية المعلنة و فيها الوقوف الظاهري على الحياد و على مسافة واحدة من الانقلابيين و الحكومة ينبئ بان اميركا لم تكن متمسكة بحكومة اردوغان و الا كانت رفضت الانقلاب بكلام صريح و كذلك لا نتصور وقوع الانقلاب ان لم يكن الانقلابيون مطمئنين الى دعم أميركي ما ، لكن اميركا عادت و تمسكت باردغان الذي بدا ضعفه ووهنه و اصبح اكثر طواعية لها في ما ستملي عليه في قابل الأيام وقد تكون هنا لعبت لعبتها في منع نجاح الانقلاب ، وبالتالي تشكل مشهداً يتيح الافتراض بان اميركا صنعت الانقلاب واجهضته و تلاعبت بتركيا لغاية تبتغيها .
و قد يتراءى في المشهد ان اردوغان نجح في إدارة معركته الدفاعية ، عندما استعمل الورقة المثيرة للشعب وقياداته المعارضة المتعددة العناوين ، عندما اتهم الانقلابيين بالعمل لمصلحة فتح الله غولين ، ما وضع الجميع في مأزق الاختيار بين حاكم شديد السوء والحاكم الأشد سوءا فخاف الاتراك من الأشد حتى لا يكون مثلهم مثل من يستجير من الرمضاء بالنار فانكفؤوا شعبا و قيادات سياسية عن تأييد الانقلاب ما سمح بترك الشارع خاليا لحزب العدالة و التنمية ان يستجيب لنداء اردوغان في الدفاع عنه و ان ينزل الى الشارع و يعقد مهمة الانقلابين في الامساك بالأرض .
والان ومهما قيل في سبب فشل الانقلاب في الإمساك بالسلطة، ستبقى أسئلة من دون إجابة حاضرا و قد يكون مبكرا البحث عن جواب صحيح لها ، لكن الصحيح أيضا هو ان الانقلابين لم يحسنوا تحضير و تخطيط و تنفيذ انقلابهم و اهملوا مسائل أساسية اتاحت لاردوغان الفرصة و قبل فوات الأوان منحته الفرصة للقيام بهجوم معاكس مركب اشرك فيه مدنيين و امنيين و عسكريين تمكن خلاله من محاصرة الإنقلابيين واجهاض ما كانوا حققوه من نجاح في المرحلة الأولى من الانقلاب ، فاستعاد اردوغان عبر انصاره و مؤيديه في الحكومة و أجهزتها و الشعب و هيئاته خاصة حزبه الاخواني، استطاع العودة الى السلطة بعد ان كان فقدها و تهيأ للبحث عن مكان يلجأ اليه خاصة بعد ان أبدت روسيا استعدادها لمنحه اللجوء السياسي .
والان فإن ما يهمنا هو انعكاس ما حصل على الإقليم خاصة سورية والعراق وهو انعكاس مرتبط بدور تركيا فيما يجري وحال تركيا المستقبلية ربطا بنتائج هذا الانقلاب وأثرها على هذا الدور في الأشهر المقبلة. فتركيا بقيادة اردوغان امعنت في سياسة العدوان على سورية والعراق وتطرفت في سياسة التدخل بشؤون الآخرين خرقا لقواعد القانون الدولي وعلى رأسها وجوب احترام السيادة الوطنية للدول المستقلة، وتركيا التي بعد ان قدمت المأوى والملاذ الامن للعاملين ضد الشعبين السوري والعراقي وللمرتكبي الجرائم الإرهابية، تركيا هذه ستجد نفسها بعد الانقلاب امام تحديات إعادة الاستقرار الى البلاد في مرحلة اولى قبل ان تستأنف عدوانها او تراجع سياستها.
واردوغان الذي قد يدعي بانه خرج منتصرا من المحنة، وقد يتباهى في سيطرته على الوضع الى الحد الذي يبدو فيه ان الانقلاب خدمه أيما خدمة ما جعل البعض يتهمه بانه هو من كان وراء هذا الانقلاب من اجل انتاج بيئة تتيح له تنفيذ كل ما يحلم به في إعادة تركيب الجيش والقضاء وتطهيرهما ونقلهما من الحالة الاتاتوركية العلمانية الى الحالة الأرجوانية الأصولية الاخوانية، اردوغان هذا سيجد نفسه امام أحد خيارين للامساك بالبلاد مجددا، خيار العقل والمصالحة والتسامح وخيار الجنون والانتقام.
ويكون في الأول اتجاه إلى مراجعة سياسته الداخلية والخارجية على حد سواء، خاصة لجهة التراجع عن الحلم بمشروع السيطرة وهذه المراجعة ستقود تركيا الى الاهتمام بترتيب البيت الداخلي والتوقف عن التدخل في شؤون الاخرين وفي طليعتهم سورية التي سترتاح من الشر التركي بإغلاق منافذ الإرهاب عبر حدودها الشمالية.
اما الخيار الثاني أي الانتقام و هو الذي نرجح ان يسلكه اردوغان ، فانه سيقود الى عمليات جراحية جذرية في الجيش والقضاء و الادارة تؤدي الى إقصاء نسبة تتراوح ما بين 15 الى 20 من الأساسيين المؤثرين في الدولة و تعزيز النظام الأمني القمعي و كم الافواه و خنق الصحافة أي بوضوح اكثر انتاج نظام حكم استبدادي قمعي يفرق و لا يجمع يعطل و لا يبني و الأهم في هذا القرار انه سيفرض على تركيا حالة انكفاء مؤقت من الإقليم للعودة الى ترتيب البيت الداخلي و هي فترة قد تصل الى ستة اشهر لا يكون لدى تركيا قدرة كافية لمتابعة رعاية الإرهاب في سورية و العراق والتدخل العدواني في شؤون هاتين الدولتين ، فترة يمكن استغلالها للقول ببدء ربع الساعة الأخير في انهاء الازمة السورية على حد ما قال الرئيس الأسد .
وبالخلاصة نقول ان الانقلاب التركي الذي نجح في مرحلته الأولى وفرض على اردوغان مواقف الوهن والضعف والخوف، أجهض في المرحلة الثانية حتى فشل في الوصول الى السلطة، لكنه رغم فشله نجح في انتاج ما يلي:
– اهتزاز ان لم نقل أكثر في بنية الحكم الاخواني في تركيا ما يؤكد ان حكم الاخوان الذي فشل وسقط في دول أخرى في الإقليم سيلقى يوما المصير ذاته في تركيا، وهو حكم كاد ان يسقط لولا بعض العوامل الداخلية حتى والخارجية التي حملت البعض على مراجعة دعمهم الضمني للانقلاب ومكنت اردوغان من العودة الى السلطة، لكنه عاد ضعيفا لا يجد امامه وفقا لطبيعته سوى ممارسة سياسة التنكيل والانتقام والقمع وهي طريق لا ترتد على صاحبها الا بالخسارة.
– ادخل تركيا في حال من عدم الاستقرار قد تطول او تقصر ربطا بالخيارات التي يعتمدها الحاكم بين خيار عقلي او خيار غرائزي خاصة وان التصدعات التي أحدثها الانقلاب ليست من الطبيعة التي تعالج بسرعة وسهولة والحكومة التركية تعترف بان ما احدثه الانقلاب وما شكله من مخاطر لم يتلاش بعد وان هذا قد يسقط من يد اردوغان أوراق ابتزاز وضغط كان يناور بها.
– فرض على تركيا الدخول في حالة انكفاء طوعي او قسري والتراجع عن التدخل العدواني في شؤون الإقليم خاصة سورية والعراق ما يمكن هذين الدولتين من تصعيد عملياتهم ضد الإرهاب التدميري الذي يضربهما برعاية تركية.
وسؤال أخير نطرحه: هل دخلت تركيا نادي الحريق العربي طريدة بعد ان كانت أحد زبانية العدوان؟
* استاذ جامعي وباحث استراتيجي – لبنان