فرضت الحرب وإمكانية حدوث الموت العالية ،على أطفال بلدي فهم بعض جوانب الموت مقارنة بنا نحن الآباء الذي بالكاد نتذكر حادثة موت في طفولتنا .وأكثر ما نتذكر استغرابنا ودهشتنا مما يجري حولنا والغموض الذي يلف هذا الحدث.. وغالبا نعاود اللعب كأن شيئا لم يكن.
الموت تجربة مفزعة ،عاشها أطفال بلدي ،بفقدانهم أحد أفراد الأسرة أو قريب أو عزيز ،وجع روحي وجسدي ،مازال الأهل يحاولون تجاهله وقد يخفون حقيقة الموت ،لتخفيف الألم علما أن هناك العديد من الأساليب التي يتمكن بواسطتها الأهل مساعدة الطفل في التعبير عن مشاعره وإعانته على تجاوز هذه الحقيقة والسيطرة على الموقف.
خبراء التربية في الهيئة السورية لشؤون الأسرة واليونيسف يؤكدون أنه لا حاجة لإخفاء حقيقة الموت عن الطفل لأننا بذلك نضره ونسبب له أزمة ولا نحميه كما نظن ويجب أن يقوم شخص يحبه الطفل ويتعلق به بإبلاغه الأمر والإجابة عن تساؤلاته بصدق وتفهم مع الاستمرار في مراقبة الطفل وملاحظة أي تغيير في سلوكه وإعطائه الاهتمام والشعور بأنه محمي وغير مهمل ومشاركته في طقوس الحداد والعزاء ،ويجب توضيح سبب الوفاة للطفل وتجنب الكذب ويمنع إرجاع ذلك لعدم الأكل أو النوم أو عدم تنفيذ أوامر الأهل لأن ذلك يسبب الرعب والاضطراب للطفل.
وعن أهمية مراحل الحداد قالوا:يستبعد الطفل موت أهله لأنهم مصدر القوة والأمان في حياته ،وخلال مراحل الحداد يرفض تقبل هذه الحقيقة…الفقد والغياب الأبدي ،وهذا السلوك طبيعي وهو وسيلة دفاع تعطي الطفل فترة من الزمن لاستيعاب الوضع ،وقد يحتاج الأمر لعدة أشهر خاصة عندما يرتبط الطفل بالمتوفى بعلاقة عاطفية قوية ،وقد يبدو الطفل وكأنه نسي الموضوع ولكن في كل مرة يذكر الموضوع أمامه يسأل ويبكي وكأنه سمع بالأمر للتو،وهذا ينبع من طريقة تفكير الأطفال والتي تقول: إذا تجاهلنا الأمر ولم نتحدث عنه فإنه لا يحصل.. ومن الأمور التي تعوق فهم الطفل للموت يضيف أهل الاختصاص في التربية:الصور المتحركة في التلفاز ،التي تظهر للطفل شخصيات تسقط وتقوم وتقتل وتعاود الظهور وكذلك الأفلام والمسلسلات حيث يرى أشخاصاً يقتلون ثم يظهرون في الفيلم التالي وهكذا ..إضافة إلى أن الطفل لا يميز بين الواقع والحلم فقد يرى أخاه أو أباه يموت في الحلم ولكنه يراه في الصباح التالي.
وعن رأي التربويين في المركز الإقليمي لتنمية الطفولة المبكرة ،عن كيفية تعامل الأهل مع أطفالهم فيما يخص مفهوم الموت وماذا يقولون أفادونا:أنه لا يمكن لطفل قبل سن المدرسة أن يفهم الموت حالة غير معكوسة ،وينمو لديهم التفكير السحري ،أي أن أفكارهم هي التي أنتجت الموت ،وعلى الأهل أن يقدموا تفسيرا عن الموت يناسب مستوى إدراكه ولغته والامتناع عن إعطائه آمالاً غير واقعية أو أجوبة كاذبة ،وإذا فقد الطفل أحد المقربين تجنب القول الشائع أن «هذا الشخص قد سافر «والسماح له المشاركة بمراسم عزاء الأحبة في الأيام التي تخف فيها مظاهر الانفعال الشديد..وعلى الأهل تجنب تصنيف المشاعر إلى مقبول ومرفوض كقولنا للطفل الذكر»الرجل لا يبكي»,»أنت قوي»فكأننا نقول له ،إن شعوره بالخوف والحزن أمر مرفوض ويعبر عن ضعفه ..ما يصعب عليه العودة إلى التوازن النفسي.
من حق كل طفل أن يغضب ..يحزن ..يبكي ،المهم أن نتقبلها ونعطيها الشرعية ،بل ونشاركه، ونحن أيضا نغضب ونحزن ونعبر عن ذلك.
التاريخ: الجمعة 3-8-2018
رقم العدد: 16753