فعل الثقافة

تلعب الثقافة دوراً كبيراً في تطوير المجتمعات والدفع بها نحو حياة أفضل لأن الإنسان بالنتيجة هو معطى ثقافي متشكل على نحو ما والفعل الثقافي لا ينشأ في فراغ وإنما يتعامل مع واقع اجتماعي كرسته ثقافة أو تقاليد ثقافية عبر مسار زمني طويل وهذا لا يعني أننا أمام حالة جمود و(ستاتيك) ثابت يصعب تغييره أو الاشتغال عليه فإمكانية إحداث تغيير جوهري في بنيته مسألة ممكنة ومتاحة وهذا لا يتم دفعة واحدة فلا بد من استراتيجية طويلة الأمد تأخذ شكل المشروع الذي تساهم فيه مؤسسات تربوية وثقافية وإعلامية ويكون له داعم وحامل سياسي وشعبي وهنا تلعب الطبقة المتوسطة دوراً كبيراً في ذلك بحكم مستوى وعيها واستطالاتها في المجتمع وكذلك مصالحها الاقتصادية.
إن الحديث عن دور الثقافة في عملية التنمية لا يلغي دور السلطة السياسية وما تمتلكه من إمكانيات في هذا المجال ولا سيما في الدول النامية حيث لا يتوفر رأس المال الخاص القادر على النهوض بهكذا عملية ذات طابع استراتيجي مديد وهنا يصبح الدور الأساسي للثقافة في توفير القاعدة الاجتماعية المتسلحة بالوعي المطلوب للتفاعل مع المشروع الذي تقوده السلطة السياسية وهذا بالتأكيد يحتاج إلى وضع استراتيجية وطنية تبدأ من العملية التربوية والتعليمية التي تعتبر الأساس والمنطلق للوصول إلى ذلك فجودة التعليم بمستوياته الثلاثة هي المسار الضروري لتحقيق النتائج المرجوة.
إن الإنسان كما أشرنا هو بالنتيجة صناعة ثقافية تربوية تنشأ عبر منظومة قيمية لها موقفها من العمل والإنتاج كقيمة اجتماعية ليس هذا وحسب وإنما موقف من الحياة على وجه العموم ولعل شعور الإنسان إنه ينتمي إلى جماعة ومنظومة سياسية يجعله أكثر قدرة وحماساً على لعب دور إيجابي في مجتمعه وهنا يبرز دور الانتماء أساسياً في ذلك فتصبح مسألة ومتقابلة الحقوق والواجبات والمنظومات القانونية حاضرة ومؤثرة ناهيك عن فضاء الحرية والعدالة الاجتماعية وفكرة المواطنة وسيادة القانون.
إن الحديث عن تنمية ثقافية يستدعي الإشارة إلى فضاءات ثلاثة، فضاء قانوني دستوري يوفر حماية للجميع وفضاء ثقافي متحرر من كل أشكال الاستبداد الثقافي والسياسي والديني وانفتاح على كل الطاقات والإمكانات الفكرية والمادية والرأسمال البشري وإطلاق العنان للمبادرات الفردية والأفكار القادرة على إحداث التغيير المطلوب وربط الفكرة والمشروع بالمنفعة الفردية والجماعية ما يوفر إمكانية إيجاد تيار شعبي واسع الطيف عابر لكل الخرائط والحسابات الصيقة قادر على أن يكون الحامل الاجتماعي والضامن الحقيقي للتغيير المنشود والمأمول.
أن أفكار ومشاريع التغيير سواء حملتها قوى سياسية أم ساهم في إطلاقها كتاب ومفكرون ومثقفون لا بد أن تصطدم بثقافة اجتماعية ترسخت عبر عشرات أو مئات السنين من هنا تأتي أهمية نقد الثقافة الاجتماعية القائمة وتفكيكها وتنقيتها من الشوائب المعوقة لفكرة التغيير وإعادة بنائها على أسس جديدة تستجيب وتتفاعل مع مشاريع التغيير التي تعتبر الأساس في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية وصولاً لمجتمع الكفاية والرفاه ذلك المجتمع المتناغم ثقافياً وأخلاقياً وسلوكياً المنتج اقتصادياً وفكرياً والذي تسوده روح المنافسة الشريفة والروح الوطنية عالية المنسوب وبوفر الأمن والسلام الاجتماعي لكل أفراده بعيداً عن أي هوى سياسي أو عصاب أيديولوجي وتحت مظلة واحدة هي مظلة الوطن.

د.خلف علي المفتاح

   khalaf.almuftah@gmail.com  

التاريخ: الأثنين 22-10-2018
رقم العدد : 16816

آخر الأخبار
تطوير المناهج التربوية ضرورة نحو مستقبل تعليميٍّ مستدام لجنة التحقيق في أحداث الساحل تباشر عملها بمحاكمات علنية أمام الجمهور ٥٠ منشأة صناعية جديدة ستدخل طور الإنتاج قريباً في حمص الإعلام على رأس أولويات لقاء الوزير مصطفى والسفير القضاة وزير الإدارة المحلية والبيئة يوجه بإعادة دراسة تعرفة خطوط النقل الداخلي سجن سري في حمص يعكس حجم الإجرام في عهد الأسد المخلوع ميشيل أوباما: الأميركيون ليسوا مستعدين لأن تحكمهم امرأة لجنة السويداء تكسر الصمت: التحقيقات كانت حيادية دون ضغوط الضرب بيد من حديد.. "داعش" القوى المزعزعة للاستقرار السوري من الفيتو إلى الإعمار.. كيف تغيّرت مقاربة الصين تجاه دمشق؟ انفتاح على الشرق.. ماذا تعني أول زيارة رس... تفعيل المخابر والمكتبات المدرسية.. ركيزة لتعليم عصري 2.5 مليار يورو لدعم سوريا.. أوروبا تتحرك في أول مؤتمر داخل دمشق مغترب يستثمر 15 مليون دولار لتأهيل جيل جديد من الفنيين بعد زيارة الشيباني.. ماذا يعني انفتاح بريطانيا الكامل على سوريا؟ فيدان: ننتظر تقدّم محادثات دمشق و"قسد" ونستعد لاجتماع ثلاثي مع واشنطن وفود روسية وتركية وأميركية إلى دمشق لمناقشة ملف الساحل وقانون "قيصر" رغم نقص التمويل.. الأمم المتحدة تؤكد مواصلة جهود الاستجابة الإنسانية بسوريا بين "داعش" و"قسد" وإسرائيل.. الملفات الأمنية ترسم ملامح المرحلة المقبلة المنطقة الصحية الأولى بجبلة.. نحو 70 ألف خدمة في تشرين الأول تفجير المزة.. هل حان وقت حصر السلاح بيد الدولة؟