كما آلاف الأمهات والأباء لم يعرف أبي، ولا أمي الدولار، ولاشكله، بل ربما مضى أبي لم يسمع به، مع أنه كان يغذ السير على القدمين إلى لبنان ليعمل ويؤمن لقمة عيشنا، وبساعديه استطاع أن يفتت صخوراً حين تراها الآن تقول: تحتاج إلى معجزات لقلعها من حيث كانت، وشأنه هذا كما أيضا ملايين السوريين ممن عرفوا الأرض فعل خصب وعطاء، وجاءت الفرصة السانحة لتكون أكثر عطاء وخصبا وقدرة على التفاعل معها، حين كان يمكن أن تشق الطرق الزراعية إليها ولايحتاج الامر وقتها إلا لآلة ضخمة، وتزويدها بالوقود الذي كان يهدر على غير وجه حق .
وقد يسأل أحد ما، وما الذي تغير الآن، وكيف، وما علاقة الدولار بذلك ؟ سؤال حق، ولكن آخراً قد يجيب قائلاً: وكيف تسأل ذلك، هل من شيء في ظل التفلت والانحلال من كل القيم، هل من شيء خارج الدولار ؟ بائع البقدونس يبيعك على سعر الصرف مرتفعاً، ولايجد غضاضة أن يقول ( ارتفع الدورر) نعم الدورر، لا الدولار، ومن ملأ مخازنه وقت كان الصرف مضبوطاً، سيفعل ذلك، ويرفع عقيرته: ارتفع الأخضر، وصمت من يعنيهم الأمر سيد الموقف، إلا إذا كانت شاشة التلفزة حاضرة، والإعلام موجوداً يطبل ويزمر لهم، وليس أي وسيلة إعلامية، يريدون حصراً كاميرا تلفزيونية ، أو موقعاً الكترونياً يبث مباشرة، حينذاك ستجد الوعود تطاول عنان السماء، وبعد البهرجة هذه، لاشيء على أرض الواقع .
الأرض التي أهملناها، وجعلناها يباساً، هي الملاذ، تصحرت في الكثير من الجغرافيا السورية، لو اتيح لك يوماً ما أن تقف فوق مرتفع يطل على نبع السن، لترى النهر المشكل منه والمتجه نحو البحر، سيكون السؤال الحاضر: لماذا لا تخزن هذه المياه، فلتجر إلى مكان ما، في الأعالي، في السهول بأي مكان لتكون جاهزة للاستخدام في انتاج الخضراوات والمزروعات الصيفية، ليطل السؤال الآخر، وهو محق: وما نفع ان تنتج إذا كان ما ينتجه الساحل من الحمضيات كافياً لتشغيل عشرات معامل العصائر، لكن لا أحد يفعل ذلك، الحكومة تعد، ولا تفي، وتجار الاستيراد حين ينزل موسم الحمضيات يغرقون السوق بالموز ؟
كيف يستقيم ذلك، ومن المسؤول، لماذا لاينزل هؤلاء الذين في علٍ من بعض المسؤولين ويرون الواقع، لماذا هذا الخراب الذي يكاد يبعث الريبة على أنه ممنهج ؟
الأمر لم يعد عادياً، وضجيج الأفعال لا تكفي لأن نصدق الوعود، خلال سنوات قليلة تم توزيع ملايين الوعود، ومازال الانتظار قائماً، بعضها نسيه الزمن، وآخر في الطريق إلى ما سبقه، والمواطن المسلوب القدرة حتى على تأمين أبسط مقدرات الحياة يفاجئه الصمت المريب أمام القفزات التي يفتعلها البعض بارتفاع سعر الصرف، والجواب دائماً، سنعمل وسنحاسب و ونضرب بيد من حديد، ولاشيء إلا ضرب وجوهنا بما يرتفع، وبصمت مريب نسأل: ماذا لو كنا أعددنا العدة لتخصيب الأرض التي أهملناها، هل يسال أحد عن الصرف ومن كدس وأثرى ؟
فعل الحياة لايحتمل المزيد من الضربات فقد تكسرت النصال على النصال، ولم يعد بالإماكن ضخ المزيد من صخب الوعود، فقد كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً.
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 16-11-2018
الرقم: 16838