في حديث للباحث وأستاذ اللسانيات جورج لايكوف عن مفهوم الزمن كاستعارة ينطق عبارته: «قد لا يوجد شيء اسمه الزمن في الواقع..
ربما مجرد أحداث في الواقع»..
أي الأحداث بوصفها أفعالاً.
وبموضعٍ آخر من حديث المفكّر أدونيس عن معنى الهوية، يحررها من تعريفات نمطية تثقلها بتحديدات ثابتة لا حركة فيها ليصل نهاية إلى قوله: «الإنسان يبدع هويته فيما يبدع عمله وفكره».. وبالتالي هوية المرء هي فعله المبدع.. فعله الذي يتقنه بشغفٍ وصدقٍ.
أما في الحديث الذي بُث مؤخراً مع الموسيقار والمسرحي زياد الرحباني، وحين سأله محاوره هل فكّر يوماً بالانتحار، كان جوابه أنه فكّر بذلك حين قرر أن يعتزل العمل وكل ما له علاقة بالموسيقا والفن، حينها ذهب إلى طبيب نفسي قال له أكيد ستفكّر بالانتحار لأنك اتخذت قراراً غير طبيعي، قاصداً انقطاع زياد عن العمل.
ولحظة سُئل عن معنى الحياة لم يتردد زياد بقول: الحياة هي العمل.
في كل ما ذهبوا إليه ألصقوه بالعمل، وكما لو أنه بصمة خاصة لا يُعرف المرء أو يُميّز عن سواه إلا بهذه البصمة الممهورة عملاً.
وتتماهى تعريفاتهم وأقوالهم فيما يتنافى وأي معنى من معاني الثبات والسكون..
فزمنك غير ثابت، إنما متحرّك فيما تعمل..
وهويتك تتجدد أيضاً فيما تعمل بإبداع..
وحياتك، بعمومها، تكتسب قيمتها من خلال ما تعمل.
ولا يغيب عن البال ماقاله يوماً المخرج وودي آلان من أننا في كل ما نصنعه في حيواتنا إنما لنحيا نوعاً من التشتت المثمر.. التشتت والإلهاء عن التساؤل الكبير عن جدوى الحياة.
ثمة نوع من عمل غير ملحوظ بمستوى الحركة الظاهرية، إنه العمل الصامت بين المرء ونفسه فيما يصنع ويخلق من أفكار مهما تصاعدت وتيرة حركتها الداخلية بين منتهى الصمت وأقوى صرخات «الأنا».. إنه العمل الذي يبني «الذات» قبل أن يخاطب الآخر.
وفيما يشيد العمل كل تلك الأشياء والمفاهيم من حولنا ويكون أساساً متيناً لها.. ألا يعني ذلك أنه يسير بنا خطوة/خطوات نحو صنع سعادتنا الخاصة..؟
وكأنما همسوا لنا: انحت بَصْمَتَك فيما تعمل، ففيها سرّ سعادتك.
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الخميس 6-12-2018
الرقم: 16854