نظرة سريعة على محطات ثقافية تلملمها ذاكرتي لعام انقضى، تعطي تصورا ولو جزئيا للمشهد الثقافي السوري لعام 2018, بذلت خلاله الأوساط والهيئات والمؤسسات الثقافية والعلمية في مناطق سورية جهدا كبيرا لإحياء المنظومة الثقافية واستمرار ألقها وحضارتها وفنونها وأدبها عبر تنفيذ جملة من الأنشطة المتميزة لدعم الإبداع والتحفيز على النتاج الفكري.
واللافت في كل ذلك بدء التشاركية بين القطاعين العام والمدني الأهلي للارتقاء بمضامين الثقافة وهذا يُسجل لعام 2018 كأهم مبادرة لإحياء وإثراء الثقافة.
العديد من الروايات من القطع المتوسط والكبير أخذت من الأزمة في سورية مضمونا وكانت الإنسانية والخوف والعزلة والحب والمشهد السياسي والاجتماعي عناوين عريضة لكل ماتناوله الأدباء والكتاب في سورية… حركة الترجمة واختيار الكتب لم تبتعد أيضا كثيرا عن المشهد الأدبي السوري في مضامينها وطرح هموم الإنسان ومشكلاته وركزت على فكرة البناء وإعادة الاعتبار للإنسانية والإنسان… في حين تنوعت الدراسات المقدمة عبر كتب وإصدارات لدور نشر سورية عن الشعر والدراما والمسرح وتكنولوجيا المعلومات وفي معظمها تطرقت للرقابة الاجتماعية والدينية وعلى اختلاف جوهرها لم تقدم أي خلق لجنس أدبي جديد باستثناء عرضها لتطوير بسيط طرأ على البنية الإيقاعية لشعر التفعيلة الحرة.
كما قام بعض الكتاب بإعادة إحياء التراث الثقافي وبعض الأجناس الأدبية في كل المناسبات الثقافية وباعتقادي هذا يُشعر الكاتب والمتلقي معا بالأمان والقوة.. تنوعت الكتب والقصص والروايات والمسرحيات المتخصصة بالطفل وهذا شيء لافت وجميل جدا، ومعظم التجارب كانت هادفة وبناءة في مضامينها ولغتها وبساطتها واهتمامها بالبنية الفكرية والذهنية والتعليمية للطفل السوري وهذا أحوج ما نكون إليه في تعرية واقع أليم ومرير فرضته سنوات الحرب على الطفل السوري.. لم تخلُ الاصدارات من كتب فندت واقع الأزمة السورية وأبحرت في حياة السوريين وقدمت أبحاثا في السياسات الخارجية وعلقت على المؤتمرات ومجريات الأحداث في كواليس العالم حول حقوق الإنسان وضحايا الحرب والإرهاب وضياع المأساة الإنسانية في أروقة الأمم المتحدة.
الثقافة الوطنية والفكر القومي وجد صداه في سورية التي هي أصله ومنطلقه، فقُدّمت له الأبحاث، وعقدت المؤتمرات، وتناولته العديد من الكتب والكتاب المتميزين جوائز متنوعة حصدتها السينما والمسرح السوري في مهرجانات دولية، إلا أن العدد الأكبر من الأعمال ظُلم كما حال الشعب السوري في بعض المحافل والمحطات والمهرجانات الدولية بسبب المشهد السياسي السوري.. محاولات سرقة فرح السوريين وتحطيم حياتهم لسنوات عدة باءت بالفشل، قدم السوريون كل مابوسعهم للنهوض دوما بواقعهم الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، واليوم يحصدون كل مازرعوه من عطاءات وإبداعات، ولا يسعني سوى تقديم الامتنان والتقدير والشكر لكل من ساهم لجعل المشهد الثقافي ومحطاته متألقا كما هي سورية عنوان الألق دوما.
هناء الدويري
التاريخ: الجمعة 4-1-2019
الرقم: 16876