لطالما أكدنا أن الحضور الإسرائيلي المباشر في الميدان، بات يرتبط بالتحولات الكبرى على الأرض، سواء أكانت تلك التحولات سياسية أم عسكرية، وهذا يأتي في إطار تداعيات وارتدادات اللحظة الإستراتيجية التي تفرض ظلالها السوداء على كل أطراف الإرهاب، خصوصا تلك الأطراف المتأثرة بشكل مباشر من اندحار الإرهاب في سورية، لاسيما الكيان الصهيوني وأدواته وأذرعه.
العدوان الإسرائيلي وكما في كل مرة هو جزء من المحاولات الإسرائيلية المحمومة التي تتقاطع أهدافها عند تغيير قواعد الاشتباك وخلط الأوراق وإعادة الأمور إلى المربع الأول، أو على الأقل إبقاء الوضع في سورية والمنطقة على ماهو عليه، لجهة حالة الفوضى العارمة التي تجتاح المنطقة ،لان هذا الأمر بالمنظور الإسرائيلي يحقق للعدو الصهيوني عددا من الأهداف الاستراتيجية دفعة واحدة كونه يشغل ويضعف دول المنطقة، خاصة دول محور المقاومة وعلى رأسها سورية.
أبرز تلك التحولات التي ضربت المشهد السياسي خلال الفترة الماضية والتي شكلت حدثاً مفصليا واستثنائيا في مسار الحرب على سورية، هو إعلان الولايات المتحدة نيتها الانسحاب من سورية، وهذا الإعلان الذي شكل صدمة وصفعة لجميع حلفاء وشركاء واشنطن في الحرب على سورية يكتسب أهميته من كونه يشكل إعلان هزيمة من قبل الولايات المتحدة حتى لو لم تعترف الأخيرة بذلك علانية، فقرار انسحابها الملغوم خير دليل على هزيمتها في الميدان السوري، كما أنه بالمقابل يشكل إعلان انتصار للدولة السورية وحلفائها، وهذا التحول المفصلي في الحرب على سورية هو الذي سوف يشكل عنوانا رئيساً وهاماً للمرحلة المقبلة، وهذا بدوره أدخل الكيان الصهيوني في هستيريا الجنون والحماقة نحو التصعيد وضرب وإسقاط هذه العناوين الكبرى التي صاغت قواعد اشتباك مختلفة بما يواكب ويناسب الواقع المرتسم بمعادلاته وقواعده التي نسفت كل الحوامل والقواعد التي كانت تحكم بها واشنطن المشهد الدولي برمته.
وبغض النظر عن الأهداف والدلالات والأبعاد والرسائل التي تصب جميعها كما أسلفنا عند محاولات نسف العناوين الكبرى للمشهد، فإن العدوان الإسرائيلي يندرج في سياق إستراتيجية الهروب الى الأمام التي باتت المُنقذ الوحيد لرئيس حكومة العدو الإسرائيلي في ظل الأزمات الخارجية والداخلية التي تعصف به، وهذا ما يجعلنا نؤكد أن العدوان الإسرائيلي الجديد هو محاولة من نتنياهو لرفع ثقله الانتخابي أمام الشارع الإسرائيلي بعد أن فقد الكثير من رصيده السياسي والانتخابي نتيجة فشله في التعاطي مع ملف غزة، وبالتالي فهو بات في أمس الحاجة الى تدعيم أوراقه الانتخابية ورفع رصيده الانتخابي في الداخل الإسرائيلي وتحديدا أمام حزبه وناخبيه، ولذلك فإن إستراتيجية الهروب الى الأمام التي ينفذها نتنياهو تشكل له كما يظن ويتوهم فرصة استثنائية للظهور من موقع القوي والمؤثر الذي لا يزال يمتلك أوراق القوة وزمام المبادرة في المشهد السياسي ، خصوصا وأن الكيان الصهيوني بات مرغما على التفكير ألف مرة قبل الاعتداء على دمشق بعد تغيير معادلات وموازيين القوى وامتلاك سورية لمعادلات قوة جديدة من شأنها أن تكبح الغرور والعنجهية والتهور الإسرائيلية وهذا ما بدا واضحا على الأرض حيث استطاعت دمشق إفشال العدوان وإسقاط معظم الصواريخ الإسرائيلية التي أطلقها العدو الصهيوني من الحدود اللبنانية دون أن يجرؤ على دخول الجغرافية السورية. وفي سياق الهستيريا الصهيونية التي تجتاح الكيان الصهيوني خوفا من اندحار الإرهاب في سورية وهو الذي يشكل لـ(إسرائيل) رأس حربة لتدمير المنطقة فقد كشفت صحيفة(ساندي تايمز)البريطانية تفاصيل مقابلة صحفية أجرتها مع رئيس أركان جيش العدو الإسرائيلي المدعو غادي آيزنكوت، حيث أكد فيها ولأول مرة منذ بداية الحرب على سورية أنه قدم أسلحة للتنظيمات الإرهابية المسلحة التي كانت تتخذ مواقع لها قرب شريط فض الاشتباك في الجولان السوري المحتل.
ويشكل هذا الاعتراف أول تأكيد رسمي إسرائيلي لكل ما كانت وسائل الإعلام السورية تؤكده وتعلن عنه وتشير فيه إلى دور الاحتلال الإسرائيلي في تسليح المجاميع والتنظيمات الإرهابية التي كانت تعمل ضد الجيش العربي السوري في منطقة جنوب سورية بما في ذلك منطقة درعا والقنيطرة، ولم يكتف آيزنكوت بالإقرار بتسليح الميليشيات الإرهابية فقط، بل أقر في المقابلة نفسها أن الجيش الإسرائيلي قصف مواقع داخل سورية بألفي صاروخ وقذيفة في عام 2018 فقط وأنه لم يصرح عن هذه العمليات علناً بل كان يتركها لما تذكره وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية من دون ذكر المصدر الرسمي الإسرائيلي.
بكافة الأحوال نؤكد مجددا أن هذا العدوان الإسرائيلي الجديد لن يؤثر كسابقاته في العناوين الرئيسة للمشهد السياسي والميداني، حيث انتصار دمشق واندحار الإرهاب بات واقعا صلبا ومتجذرا في عمق المشهد يستحيل تغييره وتبديله أو حتى العبث فيه، بل على العكس من ذلك فإن هذا العدوان سوف يراكم من العجز والتخبط لكل أطراف الإرهاب والحرب على سورية وخاصة الكيان الصهيوني الذي كان ولا يزال يشكل رأس حربة للإرهاب ولضرب كل قوى المقاومة وفي مقدمتها سورية حاملة لواء الدفاع عن الحقوق والقضايا العربية.
فؤاد الوادي
التاريخ: الثلاثاء 22-1-2019
الرقم: 16891