بأمر عمليات أميركي، تَجري في بروكسل مُحاولة ترتيب مرحلة ما بعد فشل الاستثمار بالإرهاب، بالتوازي مع مُحاولة ترتيب استحقاقات ما بعد سحب واشنطن قواتها الغازية من سورية، ذلك أنّ ما شهدته بروكسل، وما ستشهده من اجتماعات مُتلاحقة شباط الجاري وآذار المقبل، لا يَنطلق من أهمية دورها كطرف كان دائماً تابعاً لواشنطن مسلوب الإرادة، بمقدار ما يَعكس توزيع أدوار تُشرف عليه الأخيرة.
وزراء خارجية الجامعة يجتمعون مع نظرائهم بأوروبا في بروكسل، وقمة عربية أوروبية تنعقد بالقاهرة 24 – 25 شباط الجاري، بعدها ينعقد مؤتمر في بروكسل 12 – 14 آذار المقبل تحت عنوان ما يُسمى مستقبل سورية، فيما تُسجل المباحثات الأميركية التركية سباقاً مع الزمن لم يَعكس حتى الآن سوى مأزق الجانبين الذي يبدو مستحيلاً الخروج منه بالتفاهمات المستغرقة بالوهم!.
حركةٌ مُكثفة تَجري بين دول حلف العدوان ومُلحقاته تتلاعب بعناوين الأمن والاقتصاد والدبلوماسية، كل هدفها مُحاولة تَحصيل ما يمكن تحصيله مما فشلت الحرب والهجمة الإرهابية بتحقيقه، على قاعدة الاستمرار بإنكار الهزيمة، واعتماداً على التهديد بمواصلة العدوان اقتصادياً، ودائماً باجترار فبركات الكيماوي، فضلاً عن الاتهامات الساقطة ومُحاولات تسييس المساعدات الإنسانية وتَحميلها ما لا تَحمل من أكاذيب لا أساس لها!.
للانفتاح الأوروبي على سورية وتطبيع العلاقات معها – حسب زعم فيدريكا موغريني – هناك ثمة شروط أولها إنجاز الحل بموجب القرار 2254 وثانيها القبول بالمُشاركة الأوروبية الغربية بعملية إعادة الإعمار، طبعاً لم تأت موغريني على ذكر الضغوط التي تُمارس غربياً لمنع تشكيل لجنة مناقشة الدستور إلا بالمَقاسات التي تتناسب مع الأوهام التي تَأسس العدوان عليها وانطلق منها، كما لم تأت على الضغوط الأخرى لمنع عودة العرب إلى سورية!.
الإجراءات الأميركية أُحادية الجانب ضد الشعب السوري التي التحقت بها زمرة موغريني سريعاً لتَستهدف حلفاء سورية وكل من يُشاركها الحرب على الإرهاب، هي مَفصل جديد بالحرب المُعلنة، تُستكمل باتهامات لروسيا تتصل بمعاهدة الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى، وباتهامات لإيران تتعلق بمزاعم التخطيط لتنفيذ عمليات اغتيال بأوروبا، وباشتراطات غير واقعية لتَعطيل الآلية المالية لدعم التبادل التجاري بين الطرفين، فضلاً عن تفجير أزمة كبرى بفنزويلا للتدخل بشؤونها!.
ما الذي سيتحقق من كل ما سبق؟ ربما لا شيء سوى توتير الأجواء والدفع باتجاه التصعيد على جميع الجبهات التي ستُسجل هزائم جديدة مُؤكدة لواشنطن والمُلتحقين بها، ذلك لأن تجاهل قوة الخصوم وحضورهم هو انفصالٌ عن الواقع، ولأن ادّعاء قدرة القفز فوق الوقائع تبدو وهماً، ولأن عدم الاعتراف بالهزيمة لا يُلغي وقوعها ولا يُعفي من الخضوع لاستحقاقاتها.
لم يتأخر رد موسكو على واشنطن، ولم تتأخر طهران عن الرد على بيان بروكسل، وفيما بات واضحاً أن كراكاس تُقاوم بقوة مُستلهمة الصمود والثبات من مبادىء ثورتها الشعبية، يُعتقد أن الرسائل العراقية الأخيرة لواشنطن قد وصلت، بينما تَمضي سورية واثقة على مسار مُحاربة الإرهاب لتَستكمل انتصارها، وتتقدم على مسار الحل السياسي انطلاقاً من ترجمة مُخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد في سوتشي مطلع العام الماضي.
كتب علي نصر الله:
التاريخ: الأربعاء 6-2-2019
رقم العدد : 16903