تتباهى المجتمعات بالطاقات الكبيرة التي تتمتع بها عندما يشكل الشباب السواد الأعظم من هذه المجتمعات، ولكن عندما تفشل هذه المجتمعات في رسم خطط استثمار ناجحة لطاقة الشباب وزجها في سوق العمل تبدأ هذه الطاقات بالهجرة الخارجية حاملة مغرمها دون مغنمها.
سنة 1960 كان عدد سكان سورية 4.5 ملايين نسمة ولكن الفترة اللاحقة زاد عدد السكان بشكل كبير حتى وصل الى 24 مليون نسمة وبمعدل إنجاب سبعة أطفال للمرأة في فترة الثمانينات والتسعينات لينخفض لاحقا إلى 3 أبناء لكل امرأة وهذا الانخفاض ساهم في تحسين مستوى المعيشة وتزايد الوعي ولكنه بقي محصورا على مستوى المدن ولم يأخذ طريقه إلى الأرياف مع الإشارة إلى أن انخفاض الولادات في المدن لم يكن مرتبطا ببرامج اجتماعية محددة وإنما كان مرتبطا بالمستوى الثقافي، ولكن في المحصلة يعكس أهمية تنظيم الأسرة.
تنبع أهمية تنظيم الأسرة من ضرورة تكافؤ الموارد مع الاحتياجات ولا سيما في دول مثل سورية ، الدولة الأبوية التي تقوم بتأمين الاحتياجات الأساسية من تعليم وصحة وعمل ، فالمجتمعات ذات الأسر المنخفضة أكثر إنتاجية ورخاء بما لا يقارن بالمجتمعات التي تتكاثر بمعدلات عالية عدا عن أهمية الأمر لصحة الأمهات والأطفال على السواء ولمستوى تغذيتهم وتعليمهم والاهتمام بهم وتأهيلهم.
الصين التي شكل عدد سكانها ربع البشرية، حوالي مليار وربع مليار إنسان اعتمدت سياسة الولد الواحد وكانت هذه السياسة جوابا للسؤال الذي لطالما أرق حكام الصين وهو كيف يمكن إطعام ربع سكان المعمورة من خلال 4 % من مساحة الأراضي الزراعية في العالم ؟ واعتقد أننا لا نجانب الصواب إذا قلنا إن سياسة الولد الواحد كانت أساس النهضة الشاملة التي شهدتها الصين والازدهار الذي عمها قبل أن تنهي العمل به مؤخرا، وتشير المعدلات الحالية إلى حاجة مستجدة للأيدي العاملة في الصين بعد تخمة تاريخية عاشها البلد.
أكل الصينيون كل شي كي يستمروا واخترعوا أساليب غريبة من اجل الكفاف منها الأكل بالعيدان الخشبية بناء لمعرفة مرسخة لديهم وهي انه كلما طالت الفترة التي يقضيها المرء في تناول الطعام تعزز شعور الشبع لديه وبالتالي تقليل كمية الطعام التي يتناولها ولا يبتعد الغرب الذي يستخدم الشوكة في الطعام عن هذا المنطق فيما لا تزال الملاعق والأصوات المتصاعدة منها عنوان الخصوبة الشرقية التي جعلت من الشرق مطعما دائما لكل الغزاة.
تنظيم الأسرة أساس لتنظيم المجتمع وتحديد مستوى المعيشة والرفاه والنهضة وتعزيز موضوع تنظيم الأسرة يساهم في ترسخ سلوكيات ترشيد الاستهلاك، الموارد وحسن إدارتها، واستثمار كل ما سبق يدفع باتجاه بناء اقتصاد قوي متنوع معزز لحضور البلد في القضايا الدولية.
معد عيسى
التاريخ: الثلاثاء 12-2-2019
الرقم: 16907