تشير حالة الطوارئ الوطنية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على خلفية مساعيه لتمويل جدار على الحدود مع المكسيك تنفيذاً لوعود انتخابية، إلى شدة الأزمة التي تعيشها الولايات المتحدة حالياً، وحجم الصراع الدائر بين أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري داخل مؤسسات صنع القرار على العديد من القضايا الداخلية والخارجية، وخاصة أن هذا الإعلان جاء بعد إغلاق للحكومة الأميركية استمر قرابة الشهر، وهدد بشلل تام على مستوى الإدارات الفيدرالية بسبب تعطل عمل عدد من الوزارات، ما يعني أن الولايات المتحدة تنتقل من أزمة إلى أزمة في ظل رئاسة ترامب، وأن الصراع الآخذ بالتصاعد بين البيت الأبيض والكونغرس سيتفاقم في المرحلة القادمة إذا ما أثيرت مسائل إضافية لها علاقة بالتمويل.
قد يبدو الخلاف للوهلة الأولى بسيطاً ولا سيما أن تكلفة الجدار المزمع إقامته لا تتجاوز خمسة مليارات دولار، وهو رقم ضئيل جداً إذا ما قيس بميزانية ضخمة جداً تقدّر بعشرات التريليونات، ولكن انتقال الخلاف إلى هذا المستوى من التصعيد والإجراءات المثيرة للجدل يشي بوجود أزمة اقتصادية في أميركا، وهو ما يفسّر العقوبات التي فرضها ترامب على العديد من دول العالم، وحديثه الدائم عن المال ومطالبته لمحميات أميركا بتسديد ما عليها من أتاوات لقاء استمرار الحماية.
ما يجري في أميركا اليوم من أزمات وخلافات عميقة ينبغي التعاطي معه على المستوى الدولي بنوع من الحذر، إذ غالباً ما يلجأ المأزوم لتصدير أزماته للخارج، وفي ظل وجود شخص مثل ترامب في البيت الأبيض فكلّ شيء جائز، إذ ما زال العالم يكابد آثار وتداعيات الفوضى (الخلاقة) التي فجرتها واشنطن في منطقة الشرق الأوسط بعد فشلها في العراق.
وفي هذا السياق يمكن اعتبار مؤتمر وارسو الذي جرى مؤخراً أحد أبرز مظاهر هذا التأزم الأميركي، وثمة في أوروبا من فهم الغاية من المؤتمر، فجاءت مشاركته فيه هزيلة ولا تلبي رغبة واشنطن بافتعال المزيد من الحروب والأزمات العالمية.
وحدهم أعراب النكبة والنكسة والاستسلام والخذلان من ألزموا أنفسهم بالسير خلف الكاوبوي المترنح ظناً منهم أن المزيد من التقرب من نتنياهو والتطبيع مع كيانهم قد يحمي عروشهم المهترئة من الاهتزاز، ولكن من أين لهم أن يفهموا أنهم مجرد قطعان تساق للذبح في محراب المطامع الأميركية..؟!
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأثنين 18-2-2019
رقم العدد : 16912