بعد فشلها في قلب النظام بفنزويلا عبر استخدامها سلاح العقوبات الاقتصادية والحصار الخانق، ومن خلال دعم معارضة عميلة لها في داخل البلاد وتحريض الجيش على الانشقاق والتمرد، وقيادة حملة دولية للاعتراف بشرعية خوان غوايدو الذي أعلن نفسه في كانون الثاني الماضي رئيساً للبلاد، صعّدت واشنطن من حدة خطابها الإعلامي التحريضي ضد الرئيس الشرعي نيكولاس مادورو، وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تجمع للفنزويليين المقيمين في الولايات المتحدة، إن أيام الاشتراكية في فنزويلا ودول أخرى مثل كوبا ونيكارغوا باتت معدودة في إشارة للنظام الاشتراكي الذي تنتهجه الدول الثلاث ويشكل عقبة أمام هيمنة النظام الرأسمالي الأميركي على قارة أميركا الجنوبية باعتبارها وفق الأطماع والمصالح الأميركية التوسعية الحديقة الخلفية.
فمع انتهاء المهل والإنذارات التي حددتها مجموعة من الدول الغربية بينها الولايات المتحدة للرئيس مادورو من أجل التخلي عن رئاسته الشرعية لمصلحة غوايدو المنقلب على الشرعية ونتائج الانتخابات ومع اصطفاف الجيش الفنزويلي والشعب خلف قيادته، يبدو أن صبر المتربصين بالجمهورية البوليفارية بدأ بالنفاد، حيث تتقاطع الكثير من المعلومات حول احتمال لجوء الولايات المتحدة إلى خيارات تصعيدية مباشرة في التعاطي مع حالة الصمود في فنزويلا من بينها الخيار العسكري، وفي هذا الإطار توقعت وزارة الخارجية الروسية أن تكثف واشنطن جهودها الرامية إلى تطبيق سيناريو التدخل العسكري عبر استخدام ذريعة «المساعدات الإنسانية» مع اقتراب تاريخ 23 شباط.
تؤكد ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية ان «الوضع في فنزويلا يتطور وفق مسار مثير للقلق»، حيث تخطط واشنطن لتنفيذ عملية استفزازية واسعة ضد كاراكاس بدعم من المعارضة الفنزويلية التي يتزعمها حاليا غوايدو، وذلك بالتزامن مع محاولة واشنطن إيصال مساعداتها الإنسانية لفنزويلا في خطوة تتحدى فيها السلطات الفنزويلية التي رفضت الأمر وتعهدت بعدم السماح للحمولات الأمريكية بدخول البلاد.
وبحسب زاخاروفا فإن رعاة غوايدو الأميركيين يطالبونه بسرعة التحرك في الداخل لحسم الأمور لأنه اعتبارا من 23 شباط الجاري ستنتهي فترة «الرئاسة الوهمية المؤقتة» التي أعلنها الشهر الماضي، الأمر الذي ينعكس سلباً على الزخم الخارجي الذي تقوده واشنطن لتمكين غوايدو حيث استطاعت عبر نفوذها وضغوطها حول العالم من إجبار العديد من الدول على الاعتراف بشرعية الرئيس المنتحل.
من السيناريوهات المتخيلة أو المتوقعة هو أن تحاول واشنطن اختراق الحدود الفنزويلية بقوافل من مساعداتها «الإنسانية» بحيث تستفز قوات الأمن وحرس الحدود الفنزويلية فيلجؤون لاستخدام القوة لمنع دخولها للبلاد، ويصار بعدها لاستخدام الحادث ذريعة لتطبيق السيناريو العسكري المخطط له، وتعتبر أحد أهم أهداف هذا الاستفزاز هو إحداث شقاق بين العسكريين الفنزويليين والتسبب بسقوط ضحايا ما سيتيح للولايات المتحدة فرصة أكبر للتدخل العسكري المباشر.
إلى ذلك وتحت عنوان « حرب وفق جدول المواعيد» نشرت صحيفة إزفستيا الروسية مقالا تتحدث فيه عن خطوات ملموسة نحو غزو أميركي قريب لفنزويلا، وهو ما يتقاطع مع تخمينات جاءت على لسان الرئيس مادورو من أن واشنطن تخطط لغزو بلاده.
وتحت العنوان ذاته تساءلت الصحيفة الروسية ما الذي سيعيق تنفيذ سيناريو القوة في فنزويلا، ويضيف كاتب المقال.. «لم يُكتب لمحاولة واشنطن تنحية مادورو بشغب الشوارع وضغط العقوبات والمضايقات الدولية النجاح، والآن، كما لو أن الجوع ونقص الأدوية في فنزويلا يُقلقان البيت الأبيض وزعيم المعارضة خوان غوايدو.
ترجح الصحيفة الروسية أن يتم غزو فنزويلا من جهة كولومبيا والبرازيل المجاورتين، من قبل قوات أمريكية وكولومبية وبرازيلية، فقد تم إيصال المساعدات الإنسانية الأمريكية المزعومة إلى مدينة كوكوتا الكولومبية، وإلى ولاية رورايما البرازيلية المتاخمتين لفنزويلا.
وفي شرح سيناريو الغزو تقول الصحيفة:»سوف تقوم قافلة من الشاحنات المحملة بمساعدات أميركية بمحاولة اختراق نقاط التفتيش التابعة للجيش الفنزويلي. أحد ما من الجانب الكولومبي سوف يستفز الجنود الفنزويليين لإطلاق النار، لتصبح الذريعة جاهزة لتدخل الجيش الأميركي بشكل مباشر.
وإذا ما تم التعاطي بجدية مع النبرة التهديدية العالية في واشنطن تجاه فنزويلا سيصبح من السهل توقع السيناريو العسكري ـ وقد لجأت إليه واشنطن أكثر من مرة في أميركا اللاتينية ـ ولا سيما بعد أن وصلت واشنطن إلى درجة اليأس من قدرة المعارضة الفنزويلية المدعومة من قبلها على الإطاحة بمادورو، لكن في المقابل لا يبدو أن البيت الأبيض واثق أو متأكد من نتيجة هكذا عملية، لأن الجيش الفنزويلي وقيادته إلى جانب مادورو، وهو مسلّح ومدرب بشكل جيد، وربما يكون هذا هو العامل الأهم الذي يوقف جموح الأميركيين نحو العدوان، وهذا يعني أن صمود الفنزويليين بمواجهة الحصار والتفاف الجيش خلف قيادته الشرعية سيحولان دون قيام واشنطن بشن حرب ضد فنزويلا قد تفشل في حصد نتائجها وتنعكس بشكل سلبي على الولايات المتحدة وعلى إدارة ترامب بصورة خاصة.
موسكو القلقة من التصعيد الأميركي ضد فنزويلا ومن خطورة التدخل العسكري الأميركي في الشأن الفنزويلي رأت أن حل المشكلات داخل هذا البلد هو حق حصري للفنزويليين أنفسهم، وينبغي أن يستفيدوا منه دون تدخل استفزازي من الخارج، وأكدت في معرض تعليقها على السلوك الأميركي الاستفزازي ضد فنزويلا.. «من الأفضل مساعدة الشعب الفنزويلي عبر الإفراج عن أموال الشركات المملوكة للدولة الفنزويلية في البنوك الأمريكية التي تبلغ قيمتها 11 مليار دولار (خصصتها الحكومة الفنزويلية لشراء الأدوية والمواد الغذائية والسلع الأساسية) أو أصول شركة النفط الحكومية الفنزويلية PDVSA بقيمة 7 مليارات دولار».
ويقدر إجمالي الأضرار الناجمة عن العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا منذ عام 2013 بنحو 345 مليار دولار، وهي عقوبات غير قانونية وخارج الشرعية الدولية وتهدف إلى خنق الاقتصاد الفنزويلي، وتغيير نظام الحكم فيه بما يناقض ميثاق الأمم المتحدة.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأربعاء 20-2-2019
رقم العدد : 16914