في كتابه «قلق السعي إلى المكانة» يعرّف آلان دو بوتون ذاك النوع من القلق، بقوله: (قلق خبيث إلى حدٍّ يجعله قادراً على إفساد مساحات شاسعة من حياتنا، يساورنا خشية فشلنا في مجاراة قيم النجاح التي وضعها مجتمعنا وخشية أن يتمّ تجريدنا نتيجةً لهذا الفشل من شرف المنزلة والاعتبار..»
ومرجع كل ذلك وفق بوتون عائدٌ إلى أن صورتنا الذاتية تعتمد على ما يراه الآخرون فينا.
بحسب مقاييس «الآن وهنا»، لمَ يسع كثيرون إلى تحصيل مكانة عالية..؟
والأخطر لِمَ ينتابهم قلق، إن لم نقل «رعب» فقدان تلك المكانة بعد تحصيلها..؟
البعض «الكثير» يتماهى مع مكانته التي ينالها من منصب وصل إليه بأساليب شتى.. ويخيل له أنه قبض بذلك أعلى مراتب اجتماعية مرموقة وبالتالي كسب حب الآخرين وتقديرهم.
لكن للصراحة، هل يبتغي كسب حبهم واحترامهم، أم إن نوعاً من الغطرسة والعنجهية هو الذي يسيّر رغباته وطموحاته..؟
ما الشيء الذي يسيّر ذوي المناصب لدينا..؟
ثم لماذا تبدو المكانة، حالياً، مرهونة تحديداً بشيئين لا ثالث لهما، هما المنصب والمال..؟
لعل الأمور تكون في البداية مموّهة بشيء من الرغبة بِلفت انتباه الآخرين وتحصيل احترامهم ومودتهم، لكن سرعان ما تتحوّل حين يخطو المرء صوب أولى درجات المكانة العالية، ليغدو إدماناً متغطرساً.
غالباً ما يتأتّى قلق السعي إلى المكانة من عدم القدرة على رؤية صورتنا الذاتية بطريقة صحيحة بعين أنفسنا.. عدم امتلاكنا الثقة بقيمتنا الذاتية.. حينها يتولّد الخوف من انتزاع كينونة تجذّرت وتأصّلت بأشياء زائفة مثل بريق المنصب وفخامة كراسي المسؤولية.. لكنها فخامة خادعة وبريق زائف.. لا أصالة فيهما إن لم يكونا لمن يُعلي منهما لا يعليانه.
لكل مَن يقيس قيمته بأهمية مكانة مناصبه، نصيحة تفيد بتهوية أفق الرؤية لديه وتوسّع ضيق تفكيره، جاءت على لسان الدكتور مصطفى محمود: «أنت في حاجة إلى قراءة الفلسفة والشعر والقصص، في حاجة إلى فتح ذهنك على الشرق والغرب، ليحصل الذهن على التهوية الضرورية فلا يتعفن».
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الخميس 14-3-2019
رقم العدد : 16931