للوهلة الأولى وأنت تتابع الفيديو الذي بثّه السفاح الأسترالي برينتون تارانت لتفاصيل مجزرته المروعة يوم الجمعة في مسجدي نيوزيلاندا، تعتقد أنك تشاهد أحد مقاطع العنف الدموية المقتطعة من أحد أفلام السينما الهوليودية الطامحة لحصد أعلى الإيرادات، أو أنك تستعيد ذكريات المجزرة الرهيبة المرتكبة بحق المصلين في الحرم الإبراهيمي عام 1994 على يد المتطرف الصهيوني باروخ غولدشتاين، حيث ثقافة القتل والكراهية والحقد واحدة في كلا المجتمعين، مجتمع السينما الأميركية الذي يستوحي نصوصه من الثقافة السائدة لدى المستعمرين البيض وجرائمهم بحق السكان الأصليين، والمجتمع الصهيوني الذي بنى وجوده الشاذ على ثقافة عنصرية إجرامية بحق الفلسطينيين.
لا شك في أن سفاح نيوزيلاندا الذي هزّت جريمته المروعة الضمير العالمي مؤقتاً، ينتمي إلى هاتين الثقافتين أو ما يشبههما، حيث لم تكن مجرد مصادفة البتة أن يذكر ترامب في الفيديو وأن يتشاطر معه نفس الأفكار العنصرية الحاقدة، التي تبيح قتل الآخر دون أي شعور بالرحمة أو بالذنب.
قد يختلف البعض حول تصنيف هذه الجريمة المروعة، فثمة من يصنفها إرهابية ـ وهي جريمة إرهابية كاملة المواصفات ـ وثمة من يصنفها في إطار جرائم الكراهية للآخر ـ وهي كذلك أيضاً ـ ولكن النتيجة واحدة وهي إزهاق أرواح بريئة لا ذنب لها سوى طغيان هذه الثقافة، حيث يستمر الغرب في تسويقها وتوجيهها ضد العرب والمسلمين في سياق ما يسمى بالاسلاموفوبيا، لدرجة أنها صارت جزءاً من لعب الأطفال الحديثة المصدرة عبر الانترنت، والتي تتسبب كل عام بعشرات الجرائم حول العالم، دون أن تستثني البيئة الحاضنة لها كما يحدث في المدارس الأميركية من حين لآخر، وبما يؤكد تجذر هذه الثقافة العنفية في المجتمع الغربي.
المثير للسخط حد الاشمئزاز هو مسارعة الغرب لإدانة هذه المجزرة وكأن مجتمعاته وحكوماته بريئة منها، في حين أن أغلب حكوماته مساهمة برعاية وتغذية الإرهاب حول العالم، وما تنظيم داعش الإرهابي الذي عانت منه منطقتنا سوى تجسيد حي لثقافة قائمة على الكراهية والعنف، وليس سراً أن لكل دولة أوروبية حصة منه بشهادة ترامب..!
عبد الحليم سعود
التاريخ: الاثنين 18-3-2019
الرقم: 16934