في أقل من خمسة أسابيع قام ديفيد هيل، ديفيد ساترفيلد، مايك بومبيو، بجولات على دول المنطقة، كان لبنان والخليج وكيان الإرهاب المُنظم إسرائيل، مَحطات أساسية فيها.
لنَقرأ بواقعية كثافة الزيارات السياسية الأميركية للمنطقة خلال زمن محدود وقصير جداً، لابد من أن نَضع هذه الزيارات بإطارها الزمني، أي مُلاحظة أنها تأتي مباشرة بعد قرار دونالد ترامب سحب قوات بلاده الغازية من سورية، ومع الملاحظة أيضاً من أنها تأتي بالتزامن والتوازي مع عقد مؤتمرين في كل من وارسو وبروكسل، كل الحضور فيهما كان من المشاركين بالحرب والمؤامرة على سورية كأعضاء في تحالف العدوان.
ولنَتلمس بموضوعية حدود مخططات واشنطن القادمة، الجديدة منها والبديلة، التي تَضع خيارات التصعيد واحتمالات الهروب إلى الأمام – انسجاماً مع حسابات الإنكار- في سلال الهزيمة التي لا تريد أن تَحملها وترحل بخيباتها، لابد من مُقاربة أمر مُوجبات الجولات المُكثفة من زاوية لا تُسقط النظر إلى «إسرائيل» وما تُواجهه من أزمات تُهدد مُستقبل بنيامين نتنياهو تَوءم ترامب في التطرف والجنون!.
ما الذي تسعى له واشنطن؟ مُحاولة ترتيب الوضع قبل الانسحاب بما يُلبي شروط واحتياجات الكيان الصهيوني؟ أم الضغط ورفع سقف الإملاءات لانتزاع ما عَجزت عن تحقيقه باستخدام فصائل الإرهاب، وبالحديد والنار، وبالتهديد والوعيد، وبممارسة العدوان المباشر؟ أم إنها تَحشد لما هو أشد خبثاً وأكثر تهوراً؟.
طالما كان تَسخير السياسة والقوة والنفوذ الأميركي قراراً ثابتاً وأمراً مُنتهياً دائماً لخدمة الكيان الصهيوني، فلن يكون هناك احتمالات أخرى سوى أن غاية تكثيف الحركة السياسية والدبلوماسية الأميركية هي التَّحشيد للقفز على الواقع المُخالف بنتائجه لكل ما خططت له، وسوى أن الهدف هو لململة واشنطن ما يمكنها لملمته من أوراق للضغط، للتخويف، وللابتزاز، في مُحاولة لتصنيع منصة أخرى للاستهداف، التفافاً على ما تَرفض الاعتراف به، واستكمالاً لما كانت بدأت به!.
سورية، لبنان، إيران والعراق، الدريئة والهدف، وإذا كان من المؤكد أن الانتصار السوري الناجز هو ما جعل الصورة أكثر وضوحاً، فإنه الانتصار الذي أظهر عُمق المأزق الأميركي الصهيوني الغربي، وهو الانتصار الذي يُهيئ لمرحلة مُختلفة، تَختلف معها بالضرورة كل المُعطيات بدءاً من تَغيير قواعد الاشتباك وليس انتهاء بترسيخ مَوازين قوّة تَردع قوى العدوان، تَضع حداً لسياسات الهيمنة، تَكشف مَقادير البلطجة الأميركية، وتُؤسس لنشوء نظام عالمي جديد مُتعدد الأقطاب.
إذا كانت خدمة الكيان الصهيوني الدافع الحقيقي للحرب والعدوان على سورية، وللجولات الأميركية المُكثفة، وهي كذلك. وإذا كان الخليج في القبضة الأميركية الصهيونية، الأداة، والمُمول، والشريك بالإكراه أم بالخيانة المُتأصلة بحكامه، وهو كذلك. فإنّ لبنان كمَحطة بجولة بومبيو يبدو في عين عاصفة الضغط، ذلك أنه من جهة يُمثل هدفاً في بنك الأهداف بسبب دور مقاومته الوطنية المُؤثر بالأحداث، ومن جهة ثانية يُحمَّل أميركياً ما تَرفضه أغلبية القوى الوطنية فيه التي إذا كانت استَهجنت تصريحات أنطونيو غوتيريش الأخيرة بشدة، فماذا تتوقع منه واشنطن؟!.
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 21-3-2019
رقم العدد : 16937