في نور سلطان .. الاسم الجديد للعاصمة الكازاخية بعد أن تخلت عن اسمها السابق «استنة» يعقد المؤتمر الدولي حول سورية لكن أوراق الملف السوري احتفظت باسم العاصمة في عنوان مؤتمرها «مؤتمر استنة» وان كان سيعقد في العاصمة الكازاخية باسمها الجديد ..
فالتصريحات صدرت على أن مؤتمر استنة حدد في نيسان حيث أعلن نائب وزير الخارجية الكازاخستاني «مختار تليوبردي» أن اجتماع استنة المقبل حول تسوية الأزمة في سورية سيعقد نهاية شهر نيسان المقبل في العاصمة الكازاخستانية.
وقال تليوبردي: تقدمت الدول الضامنة إلينا باقتراح يوم 20 نيسان موعدا لها، ولكننا لم نتلق تأكيدا وتاريخا محددا بعد وأشار «تليوبردي» إلى أن اجتماع استنة سيحتفظ باسمه، على الرغم من إعادة تسمية عاصمة كازاخستان بـ «نور سلطان»، وقال: «لقد حصلت «عملية استنة» على تسميتها، لذا فإن صيغتها ستستمر بالتأكيد تحت نفس التسمية ولكن طبعا في عاصمة كازاخستان مدينة «نور سلطان».
قد يكون تغيير اسم العاصمة لافتاً لكن الأكثر تأثيراً في هذا المؤتمر هو الأحداث التي سبقته والتفاعلات الحاصلة في الشمال السوري على اعتبار استنة مؤتمرا مختصا بتخفيض التصعيد ولكن الأيام الماضية سجلت خروقات كبيرة في هذا الاتفاق وارتقى الكثير من المدنيين شهداء بقصف الإرهابيين على هذه المناطق الشمالية ما أدى الى تهجير السكان خاصة في ريف حماة الشمالي الأمر الذي حذرت منه كل من دمشق وموسكو فعمد النظام التركي الأسبوع الفائت الى تسيير دوريات في المنطقة منزوعة السلاح التي نص عليها «اتفاق إدلب» في محاولة من أردوغان للايحاء أنه ملتزم بالاتفاقيات مع موسكو وغير راض عن تصعيد التنظيمات الارهابية المنتشرة هناك بشكل كبير والتي رد عليه الجيش العربي السوري باستهداف مكثف لمواقع الارهابيين وتكبيدهم خسائر فادحة..
لكن التقارير تحدثت بأن أنقرة التي تحاول التغطية على تصعيد المسلحين في الشمال بتأكيد اتفاقاتها مع موسكو تعمل على تنظيم اجتماعات لقيادات الميليشيات الإرهابية المدعومة تركيا بالاضافة الى بعض المعارضة المقيمة في أحضان أنقرة فهناك تنسيق بين ما يسمى «الجيش الوطني» ومتزعمي ميليشيا «الجبهة الوطنية» إلى جانب رئيس «هيئة التفاوض» المعارضة المدعو نصر الحريري، ورئيس ما يسمى «الائتلاف» عبد الرحمن مصطفى، ورئيس وفد الميليشيات إلى اجتماعات «استنة» أحمد طعمة، ورئاسة ما يسمى «المجلس الإسلامي » التابع للميليشيات المسلحة حيث يتزامن هذا الاجتماع مع اعلان جبهة النصرة سيطرتها على اجزاء واسعة من محافظة ادلب ونية أردوغان تنظيم المنطقة الممتدة من ريف حلب الشمالي إلى إدلب والواقعة تحت احتلاله فيما سماه ادارة مدنية واحدة.
من جانبها ردت موسكو ودمشق على كل تحركات أردوغان وعصاباته في قصف للارهابيين هو الأكبر منذ اتفاقات خفض التصعيد وبعد أن كانت موسكو تتوانى في اعلان ضرباتها الجوية على المسلحين في ادلب خرجت وزارة الدفاع الروسية في بيان لتقول إن طائرات القوات الجوية الفضائية الروسية وجهت 13 ضربة جوية دقيقة إلى مستودع أسلحة وذخائر تابع لتنظيم هيئة تحرير الشام الإرهابي في مدينة إدلب، وأضاف البيان «وبحسب معلومات مؤكدة عبر قنوات عدة، نقل المسلحون قبل ذلك إلى المستودع دفعة كبيرة من الطائرات المسيرة الضاربة. وخطط الإرهابيون لاستخدامها في شن هجوم جوي على قاعدة حميميم الروسية» اللافت أن البيان الروسي ذكر أن الضربات كانت بالتنسيق مع الأتراك.
بالمقابل ردت الجماعات المسلحة على البيان الروسي لتقول إن اجتماعاً بين ضباط روس وآخرين أتراك عقد في القاعدة التركية الواقعة بمحيط مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي بهدف بحث مصير مدينة تل رفعت، ومسألة فتح طريق حلب ـ غازي عينتاب الدولي وليس لتنسيق الضربة وبحسب المواقع المعارضة التابعة لتركية فإن «هيئة تحرير» الشام «النصرة» سابقاً عرقلت تسيير الدوريات التركية في «المنطقة منزوعة السلاح» وأنشأت حواجز عسكرية قرب نقاط المراقبة التركية دون موافقة منها.
ولكن حقيقة دعم أردوغان للإرهابيين لايمكن اخفاؤها حيث قالت تقارير من المواقع المعارضة وبحسب مصادر محلية فإن «هيئة تحرير الشام» أي «النصرة» شاركت مع «الجبهة الوطنية للتحرير » التابعة لأردوغان في الشمال السوري بالحواجز المنتشرة بمحافظة إدلب، وكشفت التقارير أنه من بين الحواجز التي دخلتها «تحرير الشام»، تلك المحيطة بنقاط المراقبة التركية التي أحدثها أردوغان بحجة اتفاق استنة بخصوص مناطق «تخفيض التصعيد»، وبحسب هذه التقارير ، فقد سلم «فيلق الشام» المنضوي في «الجبهة الوطنية»، في الأيام الماضية الحواجز المحيطة بقاعدة الاحتلال التركي شرق مدينة سراقب لتحرير الشام اي النصرة بالتالي نقاط المراقبة التركية هي بعيون ارهابية وهذا ما يفسر التصعيد في الشمال السوري.
ولم تقف الأحداث عند ذلك في الشمال وتصعيداته كأوراق لقلب الطاولات والاتفاقات الدولية فهذا التصعيد يتزامن مع تحريك أميركي لورقة الكيماوي ما يشير الى أن تنسيق أردوغان ليس مع المسلحين والارهابيين في الشمال بل مع واشنطن التي يدعي أنه يتمرد عليها وهذا ما يفسر عودة «الخوذ البيضاء الى المشهد واعلان الخارجية الأمريكية تخصيص مبلغ 5 ملايين دولارللخوذ البيضاء» في سورية وكذلك لما يسمى الآلية الدولية المحايدة والمستقلة للتحقيق في الجرائم في سورية.
يأتي هذا الإعلان في الوقت الذي قالت فيه الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عن وجود معطيات تشير إلى أن مسلحي «هيئة تحرير الشام» يحضرون لمسرحية كيميائية بمساعدة من منظمة «الخوذ البيضاء».
بعض المحللين يقولون ان تمويل الولايات المتحدة للخوذ البيضاء يأتي ضمن تمويل المجموعات الإرهابية، والتي هي ذراع أمني واستخباراتي وتجسسي للمخابرات الأمريكية والبريطانية، ويؤكدون أن الدور الذي قامت به الخوذ البيضاء في بناء مبررات للقصف الذي قامت به الولايات المتحدة على سورية هو خير دليل على دور هذه المنظمة بالنسبة لأمريكا وبريطانيا، وهذا هو العنوان الرئيس لهذا التمويل وكل كلام واشنطن عن الحريات وحقوق الإنسان ما هو إلا حجة للغزو السياسي وتفتيت البلدان، فواشنطن لم تكن ولن تكون مهتمة الا بثروات الشرق الأوسط وسلب البلدان وخير دليل ما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا.
كما أن اللافت بأن دعم أميركا وعودة تعويلها على الخوذ البيضاء ترافق مع اهتمام رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو مجدداً بأفراد الخوذ البيضاء في سورية حيث قال خلال استقبال وزيرة خارجية كندا «إن إسرائيل»: تُثمّن التزام كندا باستيعاب أفراد الخوذ البيضاء.
وهذا ما تنبهت له موسكو فصرحت على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن ما يثير قلق روسيا هو المعلومات التي تصل حول تحضير مسلحي «هيئة تحرير الشام» بمساعدة من «الخوذ البيضاء لمسرحية جديدة باستخدام أسلحة كيميائية، يلقون مسؤوليتها على القوات الحكومية.
وبجانب التصعيد في الشمال وعودة الخوذ البيضاء الى الواجهة صدر تقرير منظمة الحظر الكيماوي حول سورية والذي كان مسيسا بشكل كبير ومحرفاً ولا يعتمد على أدلة موضوعية وهو ما دانته دمشق وتحدث عنه مندوب روسيا شولغين قائلاً بأن تقرير البعثة حول الحادث المزعوم لاستخدام مواد كيميائية في دوما لم يكن شفافاً واعتمد على النظريات الملفقة التي يختلقها الغرب، ولفت إلى تقديم سورية وروسيا كل التسهيلات اللازمة للبعثة لتأدية مهامها على أكمل وجه وأن لا صحة للاتهامات الغربية بعرقلة مجرى التحقيق. من الواضح أن المستجدات في الشمال والشرق السوري لاقت ما يقابلها في القمة العسكرية التي جرت في دمشق فساحة منطقة «تخفيض التصعيد» في شمال البلاد آثارت الكثير من التساؤلات خاصة من حيث بدء معركة عسكرية فيها أو التمهل بهذا الهجوم على ادلب الا أن موسكو حسمت الخيار عندما اعلنت عن تنسيق روسي تركي لضرب الارهابيين في ادلب وهو ما أحرج أردوغان وقطع عليه الطريق لغسل وجه النصرة من جديد وتحويلها الى مدنيين قبل انعقاد جديد لأستنة خاصة أن موسكو تلوم أردوغان لأنه لم يلتزم باتفاق ادلب وفصل الارهاب عن المعارضة.
فكانت رسائل موسكو العسكرية للنصرة أيضا بأن تركيا موافقة على العمليات العسكرية ضد تحرير الشام وهي من زودت روسيا بالمعلومات حول طائرات الدورن وعلى أساس ذلك تم القصف فهكذا يوحي اعلان موسكو .. ولكن كيف قبل أردوغان بقصف النصرة والاعلان الروسي بذلك؟
هل كانت التضحية ببعض الارهابيين ثمناً دفعه أردوغان لايقاف عملية عسكرية كبيرة في ادلب .. أم أنه يعض على لسانه الارهابي ويمضغ الوقت حتى تنضج مسرحية الخوذ البيضاء على نار أميركية في الشمال ؟!
عزة شتيوي
التاريخ: الجمعة 22-3-2019
رقم العدد : 16938
التالي