طُرق الباب صبيحة اليوم الذي سبق عيد الأم، وإذا بالرجل الذي يأتي من الساحل السوري ويحمل عادة أغراضاً وأشياء يرسلها الأهل لنا عادة، هذه المرة يحمل كيسا صغيرا على غير العادة ويقول لي هذا من أمك، استغربت حجم الكيس لأن محتوياته عادة تكون خضروات وفاكهة وأحيانا سمك من الساحل..
المهم أخذت الكيس ودخلت البيت لأفتحه, لأجد داخله زجاجة عطر من النوع الذي أستخدمه عادة وألصق عليه قصاصة ورقية رُسم عليها قلوب وكُتب بالقلم الرصاص ببراعم صغيرة.. كل عام وانت بخير..نحن نحبك كثيرا..
إنهم أبناء أخي وأمي.. أمي وبلفتة صغيرة كبيرة منها تتوجني أماً رغم أنني لم أُنجب بعد.. شعرت أنني أملك الكون كله وأبنائي كُثر في هذا الكون.. شعور رائع يتملكني ويغمر قلبي.. إنها الأم ترفعك إلى أعلى السماوات وتجعل منك كل ماتتمناه..
هكذا هن الأمهات تفكرن حتى في أدق تفاصيل مشاعرك وتحاولن أن تحفظها وتصونها وترعاها.. أمي ككل الأمهات في سورية تحفظ العهد والودّ وترسل باقات من الأمل لكل أبناء الوطن، وبتّ في يقين أن حفظ الأوطان من حفظ قلوب الأمهات ورعايتها لأدق التفاصيل في بناء شخصيات أبنائهن..
وأمي ككل الأمهات السوريات قدّمن فلذات كبدهن ليحيا الوطن حرّا كريما، دروس الحب والإنسانية تقدمها كل امرأة سورية عاشت سنوات الحرب العجاف على سورية ولم تكل أو تمل وبقيت تؤثر الحياة الكريمة لأبنائها بكل طاقتها وكانت دوما تسير خطوة إلى الأمام لمجرد أنها تفضل وتكرم الوطن وتجعله في قلبها وقلب كل أبنائها، وكل ما عدا ذلك من هموم ومشكلات وصعاب هو مجرد أوهام عابرة في مسيرتها عبر التاريخ.. التاريخ الذي كتبت صفحاته أمهات سورية بدموعهن على أبنائهن وصبر قلوبهن على الجرحى والمفقودين من الأبناء، وجعلت من الوطن مساحة كبرى لكل الثقافات والديانات، وقدمت فكرا ومنهجا في حرية وسيادة الأوطان وتفردت في ذلك بقصص وحكايا يعجز عنها الباحثون والكتاب والأدباء والعلماء والشعراء في أنحاء العالم..
إلى كل اللاتي ربين أبناءهن عقيدة متينة صلبة قوامها حب الوطن والدفاع عن كرامة الأمة.. إلى كل الشامخات على الجراح, الصابرات على البلاء، الممتلئات اعتزازا وهن إلى جانب أبنائهن وأزواجهن وأشقائهن..إلى كل هؤلاء النساء أعوام مليئة بالحب والشموخ والعزة والعروبة والكرامة للأوطان.. وإلى أمي كل عام وأنت الأمل والأمان..
هناء دويري
التاريخ: الجمعة 22-3-2019
الرقم: 16938