في يوم السبت الفائت، قدم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إجابة مثيرة للاستهجان حول تساؤل بشأن اعتراف ترامب بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان، وإن كان هذا الأمر يصب في خانة ازدواجية المعايير، إذ قال بأن اتخاذ الرئيس الأميركي ذلك القرار لا يتناقض مع ما سبق أن صرح به، ومن المتعذر المقارنة بين ما قامت به روسيا من ضم لجزيرة القرم مع ما قامت به إسرائيل من ضم رسمي لمرتفعات الجولان منذ عام 1981.
إبان زيارة مايك بومبيو إلى السفارة الأميركية في العاصمة اللبنانية بيروت، قالت الصحفية في قناة سكاي نيوز هبة نصر: «عمدت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على روسيا بذريعة ضمها لجزيرة القرم، واليوم نشهد اعتراف بلادكم بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان لذلك نتساءل: ألا يعتبر ذلك اتباعا لسياسة الكيل بمكيالين؟» فجاء رد بومبيو: «كلا.. ليست كذلك مطلقا، إذ أن ما أقدم عليه ترامب ليس إلا نتيجة للواقع القائم على الأرض وما تتطلبه الضرورات الأمنية لحماية إسرائيل».
لقد كانت إجابة بومبيو تنم عن مستوى التفكير المنحط لديه. فمن الواضح دون لبس أو غموض أن معيارا مزدوجا قد اعتمد لتلك الحالتين، وبات من المعلوم للقاصي والداني بأن أميركا وحلفاءها لا يلتزمون البتة بمعيار واحد، ونجدهم يرحبون بأمر معين في الحين الذي يرفضون ويشجبون أمرا مماثلا في موقع آخر. فاتباع المعايير المزدوجة ليست بالأمر الغريب عن ترامب وأعضاء إدارته، إذ نجد أنهم ما انفكوا يبذلون قصارى جهودهم لتبرير تصرفات حلفائهم وتمجيد ما يقومون به من أعمال غير مشروعة. ويظهر ذلك بشكل جلي في إقدام إسرائيل على احتلال وضم مرتفعات الجولان الأمر الذي يعتبر انتهاكا للقانون الدولي.
إن اعتراف الولايات المتحدة بالاستحواذ غير القانوني لإسرائيل على أراضي الجولان يتعارض مع ما دأبت عليه واشنطن من إدانة لروسيا ودعوة حلفائها بهدف التحرك لمجابهة موسكو. ولا ريب بأن ما تفعله الولايات المتحدة وعملاؤها سيكون له نتائج وخيمة فضلا عن زعزعة الاستقرار في المنطقة.
يمثل ما اقدم عليه الرئيس الأميركي إهانة للمجتمع الدولي الأمر الذي برز على نحو جلي من خلال اتباع الحكومة الأميركية سياسة تقوم على تأييد أفعال غير قانونية، فإقدامها على الاعتراف بما أسفر عنه الاحتلال غير القانوني ما هو إلا إنكار للواقع. ولا شك بأنه من الصعوبة بمكان الدفاع عن مثل هذا القرار، ولن تنال الولايات المتحدة أية ميزة مقابل استهانتها بالقانون الدولي.
لقد درج ترامب على منح عملائه مكافأة تلو الأخرى إزاء ما يرتكبونه من أفعال الأمر الذي جعلهم يتصرفون برعونة متزايدة معتمدين في ذلك على ما يتلقونه من دعم الرئيس الأميركي ترامب.
من دواعي الاستهجان أن يقول بومبيو بأن «ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان لا ينتهك قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأنه سيزيد من فرص الاستقرار في المنطقة برمتها». علما بأن عملية الضم لا تنتهك قرارات مجلس الأمن فحسب، بل تنتهك ميثاق الأمم المتحدة.
إن قرار ترامب بشان مرتفعات الجولان يتعارض بشكل قاطع مع نص المادة 2 المتعلقة بالحل السلمي للنزاعات عن طريق اتباع الوسائل الدبلوماسية ورفض الأساليب التي تقوم على تهديد السلامة الإقليمية. وقد سبق للولايات المتحدة ذاتها أن اعتمدت الوسائل الدبلوماسية والتفاوض لإنهاء الحروب التي تزعزع الاستقرار وتفضي إلى إزهاق الكثير من الأرواح.
من المتعذر إيجاد سيناريو يمكن للولايات المتحدة أن تبرر به قيام إسرائيل بضم أراض تابعة لدولة مجاورة، لأن ذلك سيفضي بالضرورة إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة وأن قيام بومبيو بتسويغ ما قام به ترامب لن يفضي إلا إلى زيادة في الاستهجان لهذا القرار من قبل الدول الأخرى.
The American Conservative
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الخميس 28-3-2019
الرقم: 16942