لعبة الأعياد

يذكرني عيد العمال بعيد الأمهات، كلاهما عيد للترضية لا أكثر، إذ لا يضاهي شقاء الأم في تنشئة أولادها وإحاطتهم برعايتها سوى شقاء العمال الذين هم الجنود المجهولون الذين يكدّون ويكدحون ويأكلون لقمة عيشهم مغمسة بالتعب والقهر حيناً، وبالذل والصبر في أحيان كثيرة، لأنهم يدركون أن لا صوت لهم في عالم تسوده شريعة الغاب.. القوي يستعبد الضعيف والنمور تسطوا على القطيع.. وهكذا الحياة مستمرة والكون عامر بعرق العمال الذين نجهز لهم عيداً يرتاحون فيه من (نق رب العمل المتنمر) طالما هو يملك المال. أي يملك السلطة والقرار.. وويل لكل متذمر.. متكبر.. محتج حيث يكون مصيره الفصل وقطع شريان الحياة عنه وعن أسرته.. ومع أن قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق كما يقولون.. إلا أن هذا الأمر لا أهمية له عند رجال المال والأعمال وكبار التجار والحرامية إلا بقدر ما يتعارض مع مصالحهم وشؤونهم المالية التي تنمو وتكبر على شقاء وصمت الطبقة الفقيرة سواء العاملة في الزراعة أم العاملة في المعامل والمصانع والحقول الكبيرة الخاصة.. وهكذا يزداد الغني غنى.. والفقير يزداد فقراً وشقاء، خاصة في المجتمعات العربية التي لا تعتمد على القدرة الذهنية والفكرية للإنسان في العمل.. بل يتوقف الأمر على المقدرة الجسدية والقناعة والانصياع لأوامر رب العمل في أحسن الأحوال.
والأمثلة شديدة السطوع في المجتمعات الخليجية والغربية.. حيث أسوأ الأحوال العمالية هي في هذه البلدان التي تهدد يومياً بفصل العامل وإنهاء إقامته أو تقليل راتبه (وإذا لم يعجبك.. بلّط الخليج) أو المحيط.
وإذ يأتي عيد العمال في أول أيار من كل عام يسمع به العمال من وسائل الإعلام التي تبدأ بالتنظير والتهليل للعامل الذي بنى جده الأهرامات وتمثال بوذا وقلاع الرومان والحدائق المعلقة والحصون الخالدة.. ولكن ظل في حالة أن جميع العمال في حالة النسيان) ليبقى الذكر للقادة والسلاطين بينما نسي العالم كله من عاش على البصل والزيت ليعمر هذه الأوابد القديمة والحديثة حيث الجسور والمصانع والمدن المعلقة في السحاب ومناجم الذهب والبترول تغور تحت التراب.. ولا يبقى للعامل سوى (الفرجة على ما بناه) وإذ يمرّ بجواره بعد ذلك لا يحق له أن يدخله ولا أن يستظلّ بظله.. يكفيه منه النظر والاحتفاء بعيد العمال.. حيث يحق له أن يجلس في المنزل.. يسامر أولاده.. يشرب الشاي على بساطه القماشي أو على (طراريح) الاسفنج المرتفعة قليلاً عن الحاجة وينشد الأناشيد الوطنية كي يحفظها الأولاد حتى إذا ما كبروا وتأسسوا على حب الأرض، يمضون بكل فخر واندفاع إلى الكفاح في سبيل الحرية والعدالة والديمقراطية بينما الأب يشرب الشاي (كما اعتاد على الأرض) ويفاخر بأن أولاده يدافعون على الوطن.. وهذا الانتماء وحده كاف لأن يكون سيداً ومميزاً ويرتقي إلى طبقة الأشراف. إلا أن طبقة الأشراف السائدة اليوم (المزعومة والأكيدة) لا تشرك معها أشراف العمال والمناضلين بل هي شريكة أشراف المال والسلطة والجاه، والأشراف في عرف هذا الزمن هم الذين يأكلون – الكافيار – ويسافرون خارج البلاد ولديهم عدة جنسيات وعدة جوازات سفر.. ولهم مصانعهم ومزارعهم التي يحرسها آباء الجنود والمناضلون بعد أن تقاعدوا فمنّ عليهم – الأشراف – بعمل إضافي يستفيدون منه ويحرسون في الوقت ذاته ما تبقى من عائلاتهم المصونة التي لا تحب السفر والغربة. حيث إن مشوار رياضة مع كلاب للحراسة ومع بشر للحراسة أحبّ وأفضل من التنزه على شواطئ غريبة لا يعرفهم فيها أحد ولا ينحني لهم أحد، فهم مجرد أرقام مرتبة في البلاد البعيدة.. بينما يحاطون هنا بطبقة من العمال الذين يطلق عليهم (بالمناضلين) كشهادة ترضية لأنهم يطرقون رؤوسهم وهم يتحدثون عن أولادهم الذين لم يكملوا تعليمهم بسبب الفقر.
أما والعيد المبجل في سورية اليوم.. عيد العمال العظيم.. فهو حدث جلل.. ستكتب عنه الصحافة وستجرى المقابلات على الفضائيات.. ولكن هل تساءلت الحكومة عن أحوالهم ورواتبهم وتضحياتهم؟ هل تعرف الحكومة أنهم يرجعون إلى الوراء والفاسدون يسيرون إلى الأمام.. القصور ترتفع وكلاب الحراسة تزداد والشرخ بات كبيراً بين من يبني ويدافع عن الوطن وبين من ينهب الوطن.. والوطن ينظر متحسراً بعين الشفقة إلى الذين بنوه ولا ينالون لا جزاء ولا شكوراً، فأين يصرف العمال أعيادهم وجيوبهم خاوية؟؟
أنيسة عبود

التاريخ: الأربعاء 1-5-2019
رقم العدد : 16968

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة