ملحق ثقافي :
الأدب، كونه جزءاً من الفن، مر بمراحل التحولات والتغيرات والتعديلات والتغييرات. لم يتوقف الناس مطلقاً عن التطوير وخلق شيء جديد تماماً. زاد هذا التعطش لتجديد الأفكار نفسه في أوائل القرن العشرين مع ظهور واحدة من أبرز الأزمنة الزمنية والثورية في تاريخ الأدب – فترة كسر القواعد والتقاليد المسماة «الحداثة».
التنمية في العلوم والتكنولوجيا والثقافة حددت مسبقاً هذا التحول في الأدب. الكلمة الأساسية في هذه الحقبة هي «جديدة». الحداثة هي فكرة جديدة في شكل جديد تم إنشاؤها بواسطة أشخاص جدد ويتم تنفيذها بطريقة جديدة. ملامح هذه الفترة هي الإيمان بالواقع كحقيقة مصطنعة، والوعي الباطن كمجال للإبداع، والتحول من التصور المسطح للوقت إلى إحساس بالراحة، وتكريس فكرة النسبية.
خلال هذه الفترة تم تمثيل الأبطال بشكل غامض، ليس كشخصيات مستقرة وإنما كمخلوقات غامضة عرضة للاختلاف. تشتهر هذه الفترة من التاريخ في الأدب بأسلوب جديد للكتابة يسمى «تيار الوعي»، يعتمد على تصور الحياة الداخلية للمؤلف أكثر من النظرة الخارجية، وقد لا يكون سهلاً كما هو الحال مع الأنواع الأخرى من الأدب. يخلق المؤلف منطقه الوهمي، ويطلب من القارئ ألا يحاول شرح أو فهم المكتوب، بل إدراكه.
الحداثة هي كل شيء عن التصور والفهم الشخصي الذي يتجاوز أي حدود أو قواعد أو محظورات. لا ينبغي مقارنة الأدب الحديث أو تقييمه بطريقة سلبية أو إيجابية. إنه المطلق الذي يأخذ بدايته من نفسه وينتهي بالضبط هناك. بالنسبة إلى طريقة تفكيري، فإن الحداثة هي انعكاس الفن الأكثر دقة في حالته الأولية – لا يمكن تكييفه، ولا يتم فهمه، ولكن يتم إنشاؤه من أجل الفن.
فروست
كتب روبرت فروست، وهو ممثل مشرق للحداثة في الأدب، قصيدة مثيرة وغير عادية ومميزة تسمى «منزل الدفن». عند قراءة القصيدة، ومن خلال الحوار، نتخيل أن الزوجين يتحدثان، ولكننا لا نستمع إلى بعضنا البعض. لقد فقدا طفلاً، وهذا ما جعل المرأة، آمي، عرضة للخطر بسبب هذا الفقدان. عندها يحاول الرجل أن يبقى رابط الجأش بكل المعاني الممكنة، ويحاول التغلب على الحزن وتجاهله. مر الوقت، وأدرك أن خياره الوحيد للعيش أكثر هو قبول الحياة كما هي، لأنها ليست فقط فرحاً وسعادة، وإنما أيضاً مشاكل، حزن، موت. البطلان الرئيسيان يعيشان فقدان الطفل بطريقتين مختلفتين تماماً.
في القصيدة، يمكننا أن نرى بوضوح مشكلتين على الأقل: وفاة الابن وفجوة التواصل بين الرجل والمرأة. أما السبب الثاني فيبدو أنه نتيجة الأولى، لكن السبب يكمن أعمق بكثير. إنه يفضل عدم التحدث عما يزعجهما ويعيشا فقط. قطعت المأساة العلاقة بين شخصين مختلفين حيث كان لديهما وجهات نظر متباينة وطرقاً للعيش مع الإخفاق.
إليوت
قد تبدو قصيدة «الرجل الأجوف» التي كتبها إليوت في البداية كئيبة قليلاً، لكن إذا قرأتها حتى النهاية ستفهم كل تعقيد الفكرة. في بداية القصيدة، يصور المؤلف الناس على أنهم مكسورون، فارغون، أغبياء. يبدو أن إليوت يلقي باللوم على الناس ليكونوا مخطئين من نظراتهم الداخلية: القصيدة هي بحث عن هوية المؤلف. إنها خيبة أمل في الناس في هذا العالم، ويقول إليوت إنه يحاول العثور على شيء حقيقي وصادق. يجدها. يمكن تتبع فكرة الهوية الذاتية وتحقيقها في جميع أجزاء القصيدة.
إن الفكرة التي توحد هاتين القصيدتين هي أنها تدور حول الناس وعوالمهم الداخلية: العواطف، والمشاعر، والأفكار. يمكن ملاحظة الخصائص الحداثية لأن القصائد مفتوحة لفهمها وتفسيرها بالطريقة الشخصية، حيث لا يوجد شيء موضح في القصائد، وأنها لا تحمل أي درس أخلاقي للقارئ، كونها مجرد تجربة مكتوبة للشاعر.
تحتوي كلا القصيدتين على العديد من الرموز حيث لا تكفي القراءة لمرة واحدة لفهم شيء على الأقل. مع كل قراءة أخرى، تجد شيئاً جديداً لنفسك، حيث أن القصائد عميقة للغاية ولا يمكن أن تخرج عن هذا الاتجاه، فأفضل أن أقول إنها تتجاوز الاتجاه.
والقصيدة الرائعة لعصر الحداثة هي «أغنية حب جيه ألفريد بروفروك» لتوماس ستيرنز إليوت. هذه القصيدة هي تيار من الوعي يتحقق في مونولوج مليء تجربة العاطفة. يقدم الراوي بروفروك أفكاره بطريقة عشوائية للغاية وغير منطقية يصعب على القارئ اتباع المسار وإيجاد العلاقة بين الجمل. المؤلف لا يفسر أي شيء لأي شخص، ولكنه يفتح العالم المعقد من نفسية رجل واحد. من الصعب حقاً الإجابة على السؤال حول ماذا تعني هذه القصيدة. لا يمكن تتبع العلاقة بين العنوان والقصيدة نفسها، لكن يمكن الافتراض أن الهدف من هذه القصيدة، كما في جميع أدبيات هذه الفترة، هو إدراك الفكرة بشكل مكتوب. القصيدة يمكن وينبغي تفسيرها شخصياً. إنها قصيدة الشخصية المتنوعة مع العالم الداخلي العميق والضعيف. القصيدة هي رؤية عالم شخص واحد ومحاولاته لتوضيح الأمر أولاً وقبل كل شيء لنفسه.
ويليامز
قصيدة أخرى تبرز بأصالتها هي «هذا مجرد قول» التي كتبها ويليام كارلوس ويليامز. يطلب الزوج المغفرة في شكل شعري غير عادي لأكل الخوخ. هذه القصيدة، كونها قصيرة للغاية وغير معقدة، تبدو مسلية وشاقة للغاية. أثناء قراءة «هذا مجرد قول» تشعر بالبراءة والإخلاص في كل كلمة. لا تنقل القصيدة أي نوع من الأخلاق ولا تثير أي قضية عالمية.