بالحبق و الكولونيا والقرنفل وفم السمكة والجوري غادر أحد الزائرين معرض الزهور يحتضنها بقلبه قبل ذراعيه وكأنه يخشى أن تسرقها نسمات الهواء العليل في صيف دمشقي يبقى ياسمينه أبيض مهما خانته الفصول وغدر به الحاقدون والطامعون والجهلة .
برده على ابتسامتي تجرأت سؤاله ممازحة :هل تريد نقل الطبيعة إلى منزلك ؟قال لا بل إلى مكتبي .
فهمت وأحسست ما يقول وهل هناك أجمل من هذه الطاقة الندية لتمدنا بطاقة إيجابية ..بحيوية وتفاؤل تنتصر على مشاعر الفقد والوجع ،وتشدنا إلى تحقيق معجزة إعادة البناء .
كثير ممن أعرفهم قاطع معرض الزهور ضبطا لنفقات غير ضرورية في شارع مأكولات والنفس تشتهي (بالخضرة والفي والمي )،وخوفا من نجاح محاولات الأولاد في ابتزاز عاطفي لحضور فعاليات طفولية مميزة والتمتع بالألعاب ،نفقات توقعهم في دوامة الديون .
عجز في ميزانية بعض الأسر حرمها من الاحتفاء برسول المحبة الصافية ..بكل ما هو رائع ونقي ..بملاك الفرح والجمال ..يفوتون عليهم متعة التنزه والترويح عن أنفسهم بحجة الضروريات والأولويات ..ولضيق وقتهم وانشغالهم بتأمين لقمة العيش،ولجهلهم بفرح يزيل الترح .
لمحبي الزهور ..ولغير المكترثين بها طوعاً أو قسراً ،حضر معرض الزهور في إحدى أكبر وأجمل الحدائق بتشكيلة واسعة من الزهور ونباتات الزينة والطبية والعطرية ببهجة ألوانه وبديع تشكيله وما يحمله من عبق الماضي ليبقى راسخا ًفي الذاكرة،لتنمية الاهتمام بالزهور وخلق واقع يجابه الحرب وتداعياتها ،لنطل من نافذة فرح وعطاء ،وما أكثر ما قرأت عن الفن الياباني وعشقه الدائم للزهور والناس هناك يعشقونها بدرجة جنونية ،تجدها في كل حجرات بيته ،في الشرفات والنوافذ وفي حدائق معلقة فوق أسطح المنازل وفي مكاتب العمل ،وردهات المباني العامة ،ويرجع علماء النفس هذا الشعور الجارف بجمال الأزهار عند اليابانيين إلى معاناة الشعب من ويلات الحرب العالمية الثانية والمعايشة اليومية للبراكين والزلازل ما جعل الناس يعشقون عطاء الأرض .
منذ سنوات قرأت سطراً لحكيم الصين (كونفوشيوس): إذا كنت تملك رغيفين فاستبدل بأحدهما زهرة ،هذا السطر الذي جرني لزيارة المعرض دون تحفظ على ميزانية الأسرة ودون التفكير بضبط نفقات أو ضغط نفقات ..
رويده سليمان
التاريخ: الأربعاء 10-7-2019
رقم العدد : 17020