السؤال الأكثر تداولاً اليوم ترى هل هناك حرب كبيرة قادمة ستشتعل بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من جهة وإيران من جهة اخرى؟
لو قمنا بتحليل الدراسات التي تناولت اخر الحروب واهمها على مستوى العالم منذ الحرب العالمية الأولى وحتى تاريخه اضافة للحروب التاريخية، نجد ان هناك الكثير من الاسباب لاندلاع الحروب ولكن مهما كانت الاسباب فإن هناك عنصرين رئيسيين لا بد ان يتوفرا، العنصر الأول هو الإجماع والعنصر الثاني هو الاجبار أو الاضطرار عندما لا يكون هناك خيار آخر او كلاهما معا.
فالحرب العالمية الثانية قامت بعد ما شهدته ألمانيا من تيارات قوية من الإجماع على الانتقام بعد معاهدة فرساي المجحفة بحق الالمان من وجهة نظرهم بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الاولى 1918، التي شملت تجريد الرايخ من السلاح وحظر التوحيد مع النمسا، اضافة للضرائب الثقيلة التي كانت على المانيا ان تدفعها على شكل تعويضات حرب، هذا وايضا اجماع الأمة الالمانية والتفافها حول أدولف هتلر وحزبه عام 1933 تحت فكرة المانيا العظمى مستخدمة قدرتهم العسكرية القوية لتحقيق القيم الوطنية.
او اضطرار اميركا للمشاركة في الحرب العالمية الثانية بعد حادثة بيرل هاربر حيث نفذت البحرية الإمبراطورية اليابانية غارات مدوية مباغتة عام 1941 على الأسطول الأميركي القابع في المحيط الهادئ في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي أدت الى اغراق اربع بوارج حربية، ودمرت اربع بارجات اخرى، هذا ما غير الرأي العام الانعزالي في اميركا وارغمها على دخول الحرب.
اما بريطانيا فقد اشتركت في الحرب العالمية الاولى بعد اجماع شعبي كبير آنذاك ، حيث عرفت بريطانيا اكبر جيش من المتطوعين اي ما يزيد عن مليونين من الرجال، بالاضافة الى الالتفاف السريع من قبل الكثير من السكان حول الحكومة والقيام بتحضيرات كبيرة في سبيل هزيمة أعداء الإمبراطورية ، أما الذين لم يستطيعوا المساهمة في الحرب فساهموا في الاعمال الخيرية التطوعية مثل التغذية والطبابة وغيرها، فكانت الحرب بحق موحدا اجتماعيا.
والامر نفسه سنشهده في الحرب العالمية الثانية من اجماع شعبي كبير حول ونستون تشرشل.
حتى في التاريخ القديم فالحروب الصليبية حدثت بإجماع ديني تحت قيادة البابوية، وراية الصليب من اجل الدفاع عنه والسيطرة على الأماكن المقدسة ، وعرف جنود الحرب بجنود المسيح او الحجاج المسلحين، كما اطلق على الحرب الطريق الى الارض المقدسة، وشهدت جميع الحملات جموع كبيرة متدفقة من دون انتظار اوامر من القيادة، وذلك بعد الوعد الكنسي بالخلاص ، وكذلك الحروب الرومانية التي نشبت بعد اجماع والتفاف حول الامبراطور الروماني المقدس الذي لا يمكن فصله عن الإله، فكان القتال للولاء له ولروما.
اما حرب القرم فاندلعت بعد اجماع كبير حول قيصر روسيا تقوده مشاعر دينية لحماية المسيحية الأرثوذكسية في العالم والسيطرة على الأماكن المقدسة كذلك عرفت حرب المائة عام هذا الإجماع فقد شهدت إنكلترا إجماعاً وإيماناً بالمشاعر الوطنية والقناعة التامة للجيش الانكليزي بمهامه.
حرب فيتنام شهدت هذا الاجماع هي الاخرى حول الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام والدور الكبير للمشاركة من الجيش الفيتنامي الشمالي، وكذلك الاجماع حول الحزب الفكر الشيوعي ، وحول جبهة التحرير الوطنية المعروفة بالفيت كونغ، وأطلق على هذه الحرب اسم حرب الشعب على الجنوب وهو ما أطلقه الزعيم الشيوعي الجنوبي(لي دوان).
ولا يمكننا ان نغفل دخول اميركا الحرب الفيتنامية مضطرة بعد هزيمة الجيش الفيتنامي الجنوبي، على اعتبار ان حرب فيتنام هي حرب بالوكالة في الحرب الباردة وكذلك يمكننا ان نلاحظ ان هزيمة اميركا في هذه الحرب انما يعود للانقسام الداخلي الأميركي حول مؤيد ومعارض للحرب، بالإضافة الى ظهور حركات العصيان الشعبية المعارضة للحرب.
والسؤال المطروح هنا: هل يتوفر هذان العنصران لقيام حرب بين الولايات المتحدة وحلفائها وإيران سواء مباشرة او بالوكالة؟
ان ما تشير إليه الاحداث يؤكد على ان زمن ترامب وأوباما قد شكل انحرافا في الاجماع الأميركي نحو السياسة الخارجية، فبدأت مؤشراته مع أوباما الذي عارض مشروع قرار أقره مجلس الشيوخ الأميركي حول السماح لعائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من ايلول بمقاضاة السعودية على خلفية اي دور لعبته الاخيرة بالهجمات.
ويلاحظ ان موقف دونالد ترامب يشبه الى حد كبير مواقف الرئيس الأسبق أوباما سواء تعلق الامر بالمواقف تجاه الحلفاء او تقليص الدور الأميركي في صناعة النظام العالمي، ونلاحظ ان انسحاب اميركا من اتفاقية باريس للمناخ بقرار من ترامب عارضه كبار المسؤولين من الجيش والاستخبارات الأميركية، ويتضح التغير في علاقات ترامب مع الحلفاء كلقاء ترامب وبوتين على هامش قمة العشرين التي عقدت في اليابان.
نحن اليوم لا نشهد اجماعا في البيت الابيض بل نشهد صراعا وتقاسما على السلطة بين مؤسسة الرئاسة السلطة التنفيذية والكونغرس السلطة التشريعية، اي ان السياسة الأميركية اليوم امام ضيق في الافق وفي الرؤية الاستراتيجية جعلها تفتقر لهوية واضحة او محددة المعالم في تعاملها مع الازمات الدولية.
يجب ان لا يغفل عنا ان لا اجماع عالمياً ايضا حول هذه الحرب من قبل الاتحاد الأوروبي نفسه ولا حتى من قبل بريطانيا التي اعلنت رئيسة وزرائها انهم لا يريدون الحرب، يمكننا ان نقول ان لا وجود لأي حماس في العالم تجاه هذه الحرب او حتى حرب أخرى.
ماذا عن عنصر الاضطرار؟
اذا كانت حرب فيتنام قد كلفت البنتاغون 1.340 مليار دولار التي ستصبح في عام 2015/8020 مليار دولار وفي حرب الخليج الثانية 1990-1991/(8) مليارات دولار والحرب الأميركية في افغانستان 2001-2018(134) مليار دولار اما الحرب في العراق فقد كلفت 6 تريليونات دولار والعمليات العسكرية في ليبيا 500 مليون دولار بمشاركتها مع حلف الاطلسي 2011 فما الذي سيضطر الولايات المتحدة الأميركية اليوم للمخاطرة بقيام حرب جديدة؟
الجدير بالذكر انه على المراقبين والمختصين ان ينتهوا الى حقيقة مهمة جدا هي ان العقلاء في العالم هم الأغلبية، ففي الخمسين سنة الاخيرة ومع تقدم العلوم ووسائل الاتصال والاكتشافات وما الى ذلك من نهضة عامة علمية تعيشها البشرية، قد أثمرت زيادة في العقل على مستوى العالم، فبينما كان القائد او الحاكم يملك مستشارا او اكثر اصبح الآن يملك العديد من مراكز الدراسات التي تزوده بأكبر قدر من الحقائق والتفاصيل ولا يغيب عن احد كارثية الحروب وعدم جدواها اياً كانت هذه الحروب .
من هنا نجد ان حرباً كبيرة ليس لها فرصة في هذا العالم الآن ومستقبلا، ولكن هذا لا يعني ان الحروب الصغيرة ستتوقف أيضا، بل من الملاحظ انها ستستمر حتى لو بالوكالة هنا وهناك اضافة الى استمرار الضغوط او ما يسمى بالعقوبات، وكذلك المفاوضات والصفقات من فوق الطاولة وتحتها..
وئام ضويه
التاريخ: الخميس 18-7-2019
رقم العدد : 17027