ركوب الموجة

 في المأثور القديم ثمة قول مهم جداً: إذا هبت أمراً فقع فيه، بمعنى آخر، لاتخش شيئاً فثمة خوف قد يكون قاتلاً أكثر من الأمر الذي نخافه، من يتهيب صعود الجبال، يعش أبد الدهر بين الحفر، كنا نردد ذلك كثيراً، لكن على ما يبدو أن الأمور انقلبت رأساً على عقب، فلم يعد الأمر بطولة حقيقية، ولا شد الهمة للوصول إلى القمم، الأقوال المأثورة السابقة ربما تنحت قليلاً، أو كثيراً، وكما الحال في الملمات والحروب والمصائب والكوارث، يحل الرديء مكان الأصيل، يظهر العفن بكل ما فيه.
ويقيناً، ليس صحيحاً أن العملة الجيدة دائما تطرد الرديئة، صحيح أنها تفعل ذلك، لكن بعد تضحيات جسام، وبعد فناء وموت، والأكثر صحة أن ثمة بقايا من العملة الرديئة تكون متربصة متسللة إلى حيث العملة الجيدة، تقفز إلى العربة، تركبها، لا، بل ربما تطمح إلى قيادتها.
هذه ظاهرة محلية وعربية وعالمية، وتاريخية، لا أحد يمكن أن ينكرها، نعم ثمة موجة نسميها ركوب الموجة، وشتان بين من يركب الموج ويسابقها يناطحه لئلا يغرق، ومن يفعل ذلك في الحياة المجتمعية، ولا نأتي بجديد إذا استعرضنا بعضا مما مر بنا، فحين الحديث عن الفساد والفاسدين ستجد أبواق الفساد تتصدر القائمة في الدعوة إلى محاربته، تكتب وتصرح، وتناقش وتدعي وتتهم، وكأنها براء من كل ما فعلته، وفي الحديث عن الفقر والعوز، سيطل عليك من يمتلك المليارات ويشكو حاله، يبكي حتى تكاد تقول:ليتني أستطيع تأمين ربطة خبز له.
وفي الوطنيات، ثمة عنتريات، من وراء شاشات الحواسيب، ومن المقاهي ومن الملاهي، ومن أي مكان يخطر ببالك، الكل ينظر على من يدفع دمه ثمنا للوطن والتراب والأهل، وفي الحديث عن القيم، تظن أننا المجتمع المثالي، بل نحن المدينة الفاضلة، كلنا شرفاء، مخلصون، قلوبنا على الفقراء، نكاد لا ننام الليل تهجداً ودعاء وهماً وغماً على أحوال الناس، وفي الواقع، حرابنا تجز الرقاب، نسرق لقمة اليتيم، نقهر كل من نستطيع قهره، لا تاجر يشبع، ولا أحد يشعر بالآخر، وكما قالت جارتنا ذات يوم:هي مشاعر كرتونية.
وفي المشهد الثقافي والإعلامي الظاهرة أشنع وأبشع، ما إن يتحدث أحد عن أمر ما حتى يقفز هؤلاء الراكبون للحديث عن التطوير والتحديث وضرورة الارتقاء بالعمل الثقافي والإعلامي، والغريب أن بعضهم، من سنوات لم يكتب حرفاً، بل لم يتابع وسيلة إعلامية، أو نشاطاً ثقافياً، لكنه يركب الموجة مباشرة، ويبدأ معزوفة النقد بالسكين المثلومة بجسد من يعمل، ويصح القول: أم قوال غلبت أم فعال.
لراكبي الموجات كلها: تمسكوا جيدا بموجاتكم، ولكن كونوا على يقين أن ثمة مكسراً سوف تتحطم عنده، نعرفكم واحداً واحداً، والبوالين مهما انتفخت دبوس صغير كاف… والأيام مكاسر الموج.

ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 9-8-2019
الرقم: 17045

آخر الأخبار
سوريا تشارك في "القمة العالمية للصناعة" بالرياض  حفرة غامضة في درعا تشعل شائعات الذهب.. مديرية الآثار تحسم الجدل وتوضّح الحقيقة داء السكر .. في محاضرة توعوية  استراتيجية المركزي 2026–2030.. بناء قطاع مالي أكثر توازناً وفاعلية سوريا ولبنان.. من الوصاية والهيمنة إلى التنسيق والندية انتشار أمني واجتماع طارئ.. إجراءات في حمص لاحتواء التوترات بعد جريمة زيدل سوريا الجديدة في مرآة الهواجس الأمنية الإسرائيلية من أماكن مغلقة إلى مؤسسات إصلاحية.. معاهد الأحداث تعود إلى الخدمة برؤية جديدة الطاقة الشمسية خارج الرقابة.. الجودة غير مضمونة والأسعار متفاوتة خريطة الترميم المدرسي في سوريا.. 908 مدارس جاهزة وألف أخرى قيد الإنجاز دمشق تستضيف اجتماع لجنة النقل في "الإسكوا" لأول مرة منذ أكثر من 15 عاماً سوق السيولة.. خطوة تدعم الاستقرار النقدي وزارة التربية تحدد مواعيد التسجيل لامتحانات الشهادات العامة لدورة 2026 عودة اللاجئين.. استراتيجية حكومية تعيد بناء الثقة مع الدولة سوريا والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية... مسار لا رجعة عنه إعادة تفعيل البعثة السورية لدى منظمة حظر الأسلحة..السفير كتوب لـ"الثورة": دمشق تستعيد زمام المبادرة ... رئيس الأركان الفرنسي يؤكد ضرورة الاستعداد للحرب لبنان وسوريا يتجهان نحو تعاون قضائي مشترك تفعيل البعثة الدائمة.. كيف تطوي سوريا صفحة "الرعب" ومحاسبة مجرمي "الكيميائي"؟ الأردن يعزز التنسيق مع سوريا لمواجهة تحديات إقليمية