رغم كل الفرص التي أتاحتها الدولة السورية وحلفاؤها للنظام التركي على مدى السنوات الماضية من أجل التخلي عن دعم الارهاب وكف يديه الملوثة بالدم السوري عن اللعب بمصير السوريين وما تبقى من مناطق سورية رهينة في يد الارهاب القاعدي والمرتزق التابع لأميركا، وخاصة في محافظة إدلب وما تبقى من أرياف حماة واللاذقية وحلب، إلا أن هذا النظام مازال يمارس هوايته المفضلة في الرقص على مختلف الحبال السياسية من أجل تحقيق بعض المكاسب السياسية والأطماع التاريخية الجيوسياسية المبيتة، وهذا ما تجلى واضحاً في الدعم التركي المقدم للجماعات الارهابية التكفيرية المتبقية في شمال غرب سورية، وتلكؤه في تنفيذه بنود اتفاق سوتشي الذي توصل إليه مع الجانب الروسي بخصوص إخلاء المنطقة المنزوعة السلاح من تنظيم جبهة النصرة والفصائل الارهابية التابعة له، تمهيداً لإعادتها إلى كنف وسيادة الدولة السورية، وتجنيب هذه المنطقة اللجوء إلى معركة كسر عظم مع الارهاب وما يمكن أن يلحق بالمدنيين المحتجزين فيها كدروع بشرية من قبل الجماعات الارهابية.
فمع انتهاء كل المهل الممنوحة لما يسمى مناطق خفض التصعيد وعدم جدوى التعويل على النظام التركي من أجل تنفيذ التزاماته في سوتشي وآستانة، ومع استمرار جرائم الإرهابيين واعتداءاتهم الجبانة بحق المدنيين وممتلكاتهم في محافظات حماة واللاذقية وحلب انطلاقاً من إدلب المختطفة، كان قرار فتح المعركة مع هذه الجماعات الارهابية على طول هذه الجبهة أمراً ضرورياً بالنسبة للدولة السورية ومطلوباً بشدة من أجل معالجة التشوه الجغرافي الذي أحدثه الارهاب فيها، واستعادة مؤسسات الدولة الشرعية إلى ربوع هذه المنطقة الحيوية من الجغرافيا السورية، وقطع الطريق على بقية المشاريع التفتيتية والتخريبية التي تستهدف سورية من قبل تركيا وحلفائها الإقليميين والغربيين، وهذا ما سرّع انطلاقة المعركة التي حقق فيها أبطال الجيش العربي السوري خلال الأيام الماضية انجازات كبيرة ومهمة لجهة تحرير قرى وبلدات استراتيجية في ريف إدلب الجنوبي وصولاً إلى بلدة خان شيخون الاستراتيجية التي باتت قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى حضن الوطن، ما يمهد الطريق لتحرير ما تبقى من هذه المحافظة وطرد جحافل وشراذم ومرتزقة الارهاب التكفيري منها مرة واحدة وإلى الأبد.
ومنذ انطلاق هذه المعركة المهمة جغرافياً واستراتيجياً مع ما تبقى من الجماعات الارهابية المجرمة في سورية ــ أخذاً بالاعتبار أن معظمها مصنف على لوائح الارهاب الدولية والأممية ــ شرع إعلام التضليل والكذب وقنواته المأجورة بالتباكي والصراخ تحت عناوين إنسانية زائفة، بهدف حماية الإرهابيين ووضع العصي في عجلات تحرير هذه البقعة واستعادة سيادة الدولة عليها، وبدأت الروايات الكاذبة والمختلقة بخصوص معاناة المدنيين والمهجرين وما إلى ذلك من روايات سبق أن تم الترويج لما يشبهها في مناسبات كثيرة ومع كل معركة خاضتها سورية ضد الارهاب في السنوات الماضية، متناسياً حجم الجرائم والمجازر والانتهاكات التي أقدم عليها هؤلاء الإرهابيون ورعاتهم طوال سنوات الحرب، ومتجاهلاً الفرص الكثيرة التي أعطتها الدولة السورية لمن يحملون السلاح خارج القانون كي يعودوا إلى رشدهم ويقوموا بتسوية أوضاعهم أسوة بالكثيرين منهم، غير أنهم اختاروا الاستمرار في إرهابهم وإجرامهم ووضع أنفسهم في خدمة الأجندات المعادية، وقرروا الذهاب إلى إدلب باعتبارها البؤرة الأكثر إرهاباً أو المعقل الوحيد المتبقي للإرهابيين في سورية ولأحلام داعميهم من دول إقليمية وغربية.
ومع التقدم المضطرد والمستمر لأبطال لجيش العربي السوري في معركته الحالية ضارباً فلول الإرهابيين في عمق معاقلهم وأوكارهم، واقترابه من الإجهاز عليهم وعلى مشاريعهم الشاذة في هذه المنطقة من المتوقع أن تستعر الحملة الإعلامية التحريضية أكثر فأكثر من قبل نفس الجهات المعادية لسورية وحلفائها، وأن تفبرك العديد من القصص المزيفة من أجل التأثير على سير العمليات العسكرية، ودفع الأمور باتجاه المراوحة في مكانها، وليس مستبعداً ــ وقد حذرت موسكو أكثر من مرة من هذا السيناريو ــ أن يلجأ الإرهابيون بتحريض من داعميهم لاستخدام الأسلحة الكيماوية مجدداً في سيناريو مكرر ومشابه لحادثة خان شيخون قبل عامين، أو فبركة حادثة على شاكلة حادثة دوما بغية إعطاء الذرائع لتدخل أو تورط عسكري أميركي جديد في المعركة، غير أن هذه اللعبة القذرة باتت مكشوفة وقد انكشف معها مدّعو الإنسانية في ما يسمى جماعة الخوذ البيض التي فبركت معظم التمثيليات الكيماوية وقصص أخرى، ولم يعد بالإمكان الاستثمار الخبيث فيها مجدداً لحماية الإرهابيين وإعطائهم أمل جديد بالحياة بين السوريين وعلى الأرض السورية بعد كل ما ارتكبوه من جرائم مروعة ضد الإنسانية خلال ثماني سنوات، وعلى المجتمع الدولي أن يقف إلى جانب سورية في هذه المعركة بدل أن يعطل مساعيها لتطهير ترابها وأرضها من دنس الارهاب، وحماية شعبها من شروره المستطيرة.
لا شك أن المعركة قاسية وقد تأخذ وقتاً أكثر من المتوقع لها، وذلك بالنظر إلى حرص الدولة السورية على حماية المدنيين في هذه المنطقة وتوفير كل نقطة دم، وهي على استعداد دائم لتقديم كل عناصر الحماية والأمان والرعاية لهم أسوة بباقي المناطق التي حررها الجيش العربي السوري وحلفاؤه، لأنها بالأصل تخوض هذه المعركة ضد الارهاب التكفيري الذي اختطف قسماً من أهالي إدلب وشرد القسم الأكبر منهم، إلى محافظات سورية أخرى وإلى مناطق داخل تركيا حيث يُعاملون من الإرهابي أردوغان أسوأ معاملة يمكن أن يتعرض لها مهجر، رغم أن الإرهابيين الذين يحتلون إدلب حالياً يتلقون الدعم من قبل نظامه.
يمكن القول إن المعركة دخلت في مراحلها الحاسمة ولن تنتهي إلا بتحرير إدلب وعودة هذه المحافظة المختطفة إلى حضن الوطن، ويطرد منها الارهاب وأدواته الإجرامية مرة واحدة وإلى الأبد.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الثلاثاء 20-8-2019
الرقم: 17051