يحكى أن عباس محمود العقاد عملاق الأدب العربي كان يقف أمام قرائه وهم يتحلقون حوله للحصول على توقيعه على النسخ التي اقتنوها من أعماله وهو من هو في القيمة الأدبية والفكرية، وقد درجت هذه العادة عند كثير من الكتاب عند إصداراتهم الحديثة، حتى بات هذا العرف طقسا ثقافيا نشهده بين حين وآخر، ربما الإشهار والجانب التسويقي أحد دوافعه، ومن جانب آخر السعي للتعرف على المؤلف وسيرته الذاتية عبر حوارات تقدم عقب حفلات التوقيع.
واليوم إذ يحتفي المشهد الثقافي بالإصدارات الجديدة للعديد من الكتّاب على اختلاف مشاربهم وتخصصاتهم الأدبية والعلمية والفكرية تتوه البوصلة، فلم تعد هذه الطقوس الاحتفالية حكرا على المشاهير من الكتاب، بل يحظى بها الإصدار الأول دون الالتفات لمعايير تحكم هذه الاحتفالات لجهة السوية الفكرية أو الإبداعية أو حتى القيمة الفنية للمولود الجديد.
ولكن هل حقا يمكن لهذه التواقيع والحفلات أن تشكل علامة فارقة في الحراك الثقافي وخلق جيل من المهتمين والمتابعين للشأن الثقافي، وهل تستطيع هذه الطقوس الاحتفالية أن تخلق جسرا من التواصل بين الأجيال وتبادل الخبرات والالتفات ماأمكن إلى المواهب الشابة والأخذ بيدها إلى دروب الإبداع؟
لاشك أن أي تظاهرة ثقافية لابد أن تترك بصمة إيجابية لدى المتلقي، ولكن عندما تقدم وفق معايير منهجية وخطوات مدروسة لتشكل قيمة مضافة إلى المتلقي، عندها ستفتح آفاقا جديدة على عالم الفكر وتخلق جيلا يتمتع بالوعي والانفتاح على الآخر، وما أحوجنا اليوم إلى تلك المبادرات التي تسهم في إعادة لملمة شتات النفوس التي مزقتها بعض الهنات المتطفلة على مجتمعاتنا وتحاول أن تستقر في نفوس البعض من أبنائنا، وهنا يظهر دور المثقف والمبدع والمفكر في ترسيخ قيم الأخلاق وخلق أواصر جديدة بين الأجيال، فالمجتمعات لاتبنى إلا بسواعد الأبناء وخبرة وحكمة الآباء والأجداد.
وربما تشكل حفلات توقيع الكتب واحدة من التظاهرات الثقافية التي يمكن استثمارها في استقطاب الشباب والاقتراب من أحلامهم وتطلعاتهم عبر نقاشات تردم الهوة بينهما، وتخلق دروبا للبناء هم عمادها.
فاتن دعبول
التاريخ: الثلاثاء 20-8-2019
الرقم: 17051