في هجاءِ الحرب

 سألني أحدُ الأصدقاء عن مفهوم (أدب الحرب)، وهل هناكَ أدبُ حربٍ عند العرب، فأجبتُهُ مُتسرِّعاً على غير عادتي: (ما لا يقلُ عن 70% من الشعر العربي عند العرب هو أدب حرب، أما في القصة والرواية والمسرح فالأمر مختلفٌ تماماً)؛ حتى إذا عُدتُ إلى نفسي وراجعتُ ما قُلتُهُ أيقنتُ أنني لم أبتعد كثيراً عن الحقيقة، مع أن الأمر يحتاجُ إلى بحثٍ ودراسةٍ وإحصاءٍ، لكنّ اللافت في أدبنا القديمِ عموماً وفي الشعِرِ منهُ على وجه الخصوص أنّه شعر معاركِ وغزوات ووقائع وأيّام؛ وهو شِعرٌ يقدِّمُ الشاعِرَ وقبيلتَهُ وأهلهُ في أفضلِ صورةٍ من الشجاعةِ والقوّةِ ورباطةِ الجأشِ، والصبر، والمروءةِ، ونجدةِ الملهوفِ وحمايةِ الضعائن وما إلى ذلك..
وقليلةٌ جداً تلك النصوص التي تهجو الحربَ وترفضها كما رأينا في قصيدةِ زهير بن أبي سُلمى الرائعة؛ التي وصفَ فيها الحربَ وصفاً مُدهشاً حتى يومنا هذا: (وما الحربُ إلّا ما علِمتمْ وذقتُمُ / وما هو عنها بالحديثِ المُرجَّمِ/ متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً/ وتضْرَ إذا ضرَّيتُموها فَتَضْرَمِ/ فتعرككم عَركَ الرحى بثفالها/ وتلْقَحْ كِشافاً ثُمّ تُنتجْ فَتُتِئمِ/ فتنتجْ لكمْ غَلمانَ أشأُمَ كُلُّهمْ/ كأحمرِ عادٍ… إلخ»، ثُمَ جاءَ شعِرُ صدر الإسلام وما تلاه فبقي معظم الشعِرِ شعر حربٍ لكنْ تغيّر العدو والخصمُ فيهِ، وتغيّرت غاياتُهُ دون أن تتغيّر قيمه الأساسيّة، وأصَبَحَ شعِرَ فتوحاتٍ حربيّة، وكنتَ أحياناً قليلةً تقعُ على شعِرِ حربٍ إنسانيٍّ، طافح بالقيم النبيلة الخيّرة، ولا سيّما بعد ذلك بزمن غير قصير، حينما رحنا نقرأ قصائد رثاء المُدن في بقاعٍ كثيرةٍ من البلادِ كان أكثرها تأثيراً رثاء مدن الأندلس…
والسؤالُ الآن: هل تغيَّرَ وضعُ الشعِرِ العربي في أيامنا هذِهِ، أو لنقل وضع شعِرنا المعاصِرِ عموماً؟ أبقيت موضوعَةُ الحربِ بأشكالها الكثيرةِ تشغله؛ في العموم: نعم؛ ما زالت هذهِ الموضوعةُ تشغَلُ شطراً كبيراً من شعرِنا منذ مطلع القرن الماضي وحتى اليوم، والسبب الأهم هو أنّ بلاَدنا من المحيطِ إلى الخليج لم تهنأ بالعيشِ السلمي ولو لسنةٍ واحدة؛ من حروبٍ مع الأتراكِ إلى حروبٍ مع ورثتهم من المستعمرين الأوربيين، إلى حروبٍ مع المحتّل الصهيوني، إلى حروبٍ بالوكالةِ تجري على الأرض العربيّة، وكان الشعرُ هو الجنسُ الأدبيُّ الأكثر سُرعةً وتأثيراً وشيوعاً في التعبير عن ذلك، وبقيت الأجناسُ الأدبيّةُ الأخرى أقل اهتماماً بموضوعةِ الحربِ؛ إلّا من بعيد… فأنت لا تقرأ مثلاً روايةً مثل (الحرب والسلام) لتولستوي في أدبنا، أو مثل (الدون الهادئ) و(الأرض البكر) لـ شولوخوف، أو (الفولاذُ سقيناهُ) أو غيرها من الروايات التي قَدّمت بطولاتِ شعوبها ومآثِرِهِا في ردِ الظلمِ والعدوان دون أن تتورّطَ في مدحِ الحربِ؛ بل أمعنت عموماً في هجائها؛ لإن أدباً إنسانياً حقيقيّاً لن ينَحدِرَ إلى مدح الحربِ مهما كانت…
وفي هذا السياق ما زلنا ننتظرُ أن نقرأَ أدباً مهمّاً إنسانيّاً راقيّاً يتناولُ ما عاشته سورية منذُ ثماني سنوات ولا سّيما في فنونِ السردِ؛ وهذا الكلام لا يعني أننا لم نقرأ شيئاً حتى الآن لروائيينا وقصّاصنا في هذهِ الموضوعة؛ لا، فقد أُصْدِرت بعض الأعمال المهمّة في هذا السياق، لكنّها قليلة؛ أما الشعراء فقد استجابوا منذ اللحظاتِ الأولى بطرقٍ شتى وعَبّروا عن صمود بلادهم، وعن مآسي ما ألمّ َبشعبهم، وما زلنا ننتظر منهم الكثير.

د. ثائر زين الدين
التاريخ: الأحد 8-9-2019
الرقم: 17069

آخر الأخبار
وزير الطوارئ يبحث مع وزير الخارجية البريطاني سبل مكافحة حرائق الغابات تحية لأبطال خطوط النار.. رجال الإطفاء يصنعون المعجزات في مواجهة حرائق اللاذقية غابات الساحل تحترق... نار تلتهم الشجر والحجر والدفاع المدني يبذل جهوداً كبيرة "نَفَس" تنطلق من تحت الرماد.. استجابة عاجلة لحرائق الساحل السوري أردوغان: وحدة سوريا أولوية لتركيا.. ورفع العقوبات يفتح أبواب التنمية والتعاون مفتي لبنان في دمشق.. انفتاح يؤسس لعلاقة جديدة بين بيروت ودمشق بريطانيا تُطلق مرحلة جديدة في العلاقات مع دمشق وتعلن عن دعم إنساني إضافي معلمو إدلب يحتجون و" التربية"  تطمئن وتؤكد استمرار صرف رواتبهم بالدولار دخل ونفقات الأسرة بمسح وطني شامل  حركة نشطة يشهدها مركز حدود نصيب زراعة الموز في طرطوس بين التحديات ومنافسة المستورد... فهل تستمر؟ النحاس لـ"الثورة": الهوية البصرية تعكس تطلعات السوريين برسم وطن الحرية  الجفاف والاحتلال الإسرائيلي يهددان الزراعة في جنوب سوريا أطفال مشردون ومدمنون وحوامل.. ظواهر صادمة في الشارع تهدّد أطفال سوريا صيانة عدد من آبار المياه بالقنيطرة  تركيا تشارك في إخماد حرائق ريف اللاذقية بطائرات وآليات   حفريات خطرة في مداخل سوق هال طفس  عون ينفي عبور مجموعات مسلّحة من سوريا ويؤكد التنسيق مع دمشق  طلاب التاسع يخوضون امتحان اللغة الفرنسية دون تعقيد أو غموض  إدلب على خارطة السياحة مجدداً.. تاريخ عريق وطبيعة تأسر الأنظار