مع هزيمته المركّبة في الانتخابات، يبحث رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مخارج تجنّبه الشراكة الحكومية مع خصومه السياسيين، في مشهد يعيد للأذهان ما حصل في الانتخابات الإسرائيلية عام 1984 عندما شكل الإرهابيان شمعون بيريز وإسحق شامير ائتلافاً تناوبا فيه على رئاسة الوزراء خلال الفترة من 1984 إلى 1988 بعد أن فشلت الانتخابات في حسم من هو الرابح.
نتنياهو الذي يحمل فوق ظهره جعبة متخمة بالوعود والمشاريع الاحتلالية والاستيطانية التي استخدم كثيرها في دعايته الانتخابية، بات اليوم في مأزق حقيقي سوف يدفعه إلى تقديم تنازلات لخصومه في المشهد السياسي وعلى رأسهم بيني غانتس الذي دعاه نتنياهو صراحة للتناوب معه على رئاسة الوزراء ضمن حكومة ائتلاف صهيونية كما حصل في انتخابات 1984 بين بيريز وشامير كما أسلفنا بعد أن أظهرت نتائج الانتخابات تقارباً بينهما يحول دون إمكانية أن يشكّل أحدهما ائتلافاً حكومياً.
وبحسب نتائج الانتخابات فقد أظهر نتنياهو عجزه عن تحقيق أي تقدم، سواء لحزبه «الليكود» أو للكتلة اليمينية – الحريدية المؤيدة له، فقد أكدت النتائج فشله من جهة في تحقيق أغلبية 61 مقعداً لكتلة اليمين التي أعلنت تأييدها له، وفشله من جهة أخرى في إيصال حزبه إلى المرتبة الأولى في «الكنيست»، كما بيّنت النتائج أن حزب «أزرق أبيض» الذي يتزعمه بيني غانتس احتلّ المرتبة الأولى، متقدّماً على «الليكود» بفارق مقعد واحد، كما تبيّن أن مجموع مقاعد كتلة الوسط – اليسار إضافة إلى «القائمة العربية المشتركة» ظلّ دون 61 مقعداً، ما يعني أن بني غانتس، حتى لو كُلِّف تشكيل الحكومة، لن يكون قادراً فعلياً على التشكيل.
نتنياهو يحاول تجنيب نفسه الجلوس في موقع الضعيف والمهزوم ، وهو بدأ بالبحث عن «بيضة القبان»، التي تخوله تشكيل حكومة لوحده، و«بيضة القبان» هنا هي حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة المتطرف أفيغدور ليبرمان، مع نيله 9 مقاعد في «الكنيست»، حيث يتعذّر على الكتلتين منفردتين، (اليمين ) من جهة و(الوسط – اليسار) من جهة أخرى تشكيل الحكومة من دونه، إلا في حال التوجه إلى حكومة وحدة من حزبه و«الليكود» و«أزرق أبيض ».
وفي الحالات فإن نتنياهو قد تلقى صفعة قوية من ناخبيه ومؤيديه، وهذا بحد ذاته اعتراف وإقرار بأن الأخير بات غير قادر وغير مؤهل على تولي هذا المنصب -حتى لو نجح بالبقاء في منصب رئيس حكومة الاحتلال – أي أنه بات غير مؤهل لإدارة المرحلة القادمة التي تتراكم وتتعاظم فيها التحديات بالنسبة للكيان الصهيوني، بعد سلسلة الهزائم والانتكاسات التي مني بها خلال السنوات الثمانية الماضية في سورية بعد فشله من ضمن محور عدواني عريض في إسقاط الدولة السورية، وكذلك يواجه الكيان الصهيوني تحديات كبرى أمام عجزه عن النيل من محور المقاومة، لاسيما بعد رد المقاومة اللبنانية الأخير على العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية، الرد الذي دشن مرحلة جديدة في قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي، وهذا كله يتطلب رئيس حكومة احتلال أكثر تطرفاً وإرهاباً من نتنياهو من شأنه أن يلبي طموحات الإسرائيليين وأن يواكب أهداف الأميركيين، ويواجه محور المقاومة الذي تتعاظم قوته بشكل مطرد على الأرض يوماً بعد يوم.
نتنياهو بات يراهن على عامل الزمن، وعلى مستجدّات قد تُمكّنه هو من تشكيل الائتلاف، سواء عبر شقّ أحزاب وتكتلات في المعسكر المقابل، أو نتيجة ظرف داهم سياسي أو ميداني يؤدي إلى تليين المواقف والحدّ من شروط التكليف بين أحزاب اليمين. ويدرك نتنياهو من الآن أن الفشل في تولّي رئاسة الحكومة منفرداً وتولّي غانتس أولاً رئاسة (حكومة وحدة) على فرض الذهاب إليها، يُعدّ سيناريو كارثياً لا يمنع عنه المسار القضائي والمحاكمة، ومن ثم السجن الذي ينتظره.
ما هو مؤكد أن نتنياهو قد بات فاقداً للمؤهلات التي تخوّله تلبية رغبات وخيارات الاستراتيجية الإسرائيلية، وهذا بالضبط ما أكدته صحيفة الغارديان أمس عندما قالت إن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يصلح للبقاء في منصبه، وبحسب الصحيفة، فقد انكسرت صورته عندما قامر بانتخابات ثانية على أمل الحصول على تفويض لم يستطع الحصول عليه قبل ستة أشهر، لتظهر النتائج أن الفائز هو منافسه زعيم حزب( أزرق أبيض) بيني غانتس، وأضافت الصحيفة إن نتنياهو يدرك جيداً أن حريته تعتمد على بقائه في السلطة، كونه يواجه جلسات استماع في المحكمة بتهم الفساد، ومن دون منصب لا توجد حصانة ومصيره إلى السجن.
فؤاد الوادي
التاريخ: الجمعة 20-9-2019
رقم العدد : 17079