يبدو أن جدول موازنة أميركا الاستثماري في مجال الحروب لم يكتمل بعد، لأنها لم تستطع ربط ظروف مخططها العدواني بأهدافه، وطريقة إعداده خلال فترة التنفيذ، بعد أن أرادت الدخول في أكثر من مشروع وتحصيل الحصة الأكبر من الإيرادات والأرباح، كما أنها لم تكن قادرة على التنبؤ بحجم الخسائر، بعد أن فقدت أجندة الدراسة الذي اعتمدت عليها في وضع الجدوى الاقتصادية لتلك المغامرة.
في الحقيقة لم يكن ذلك مغامرة بقدر ما كان مقامرة، لا تعتمد على أي أسس أو أرقام، وظنت أن الأمر مجرد رحلة وخطة تنقّل ومكوث، ثم المتابعة بعد أخذ قسط من الراحة، متجاهلة العقبات والمصاعب التي يمكن أن تواجهها خلال سير تلك الرحلة، وهو ما يحدث خللاً في نتائج تلك الميزانية، وهو ما سيضطرها حكماً لدراسة بدائل بهدف الوصول إلى الأفضل، والجلوس من جديد لوضع التكاليف التقديرية والموارد ومكان التنفيذ والنفقات المترتبة على الخطة المستقبلية، من أجل إشغال أكبر عدد من الدول والجهات بقضايا تختلف عن سابقاتها، واستغلال أصناف متنوعة من التنظيمات والأدوات في أعمالها العدوانية التي تنتظرها.
أميركا تواصل البحث المضني عن مبررات وذرائع لاستغلال الحروب لمصلحتها، وما تفعله في منطقة الخليج وتهديدها لإيران خير دليل، حيث تحرض دائماً لإطلاق الشرارة الأولى في المناطق الملتهبة، لتتكفل بعد ذلك بما يتبقى على وجه السرعة، ثم تترجم الأزمة المفتعلة إلى وحدات مالية ثم إلى نقدية، تحولها بشكل آلي في جدول تلك الميزانية وتعديل الحسابات المختلّة، ولن يثير الاستغراب أن بؤر التوتر التي تختلقها واشنطن تكون دائماً في المنطقة، أولاً كي تكون قريبة من مراكز التمويل، وثانياً لحماية أمن وكلائها المزعوم، الذين هم من يؤسسون للعداوات، ويشنون الاعتداءات، ويفرحون بالحروب كما لو أنها كرنفالات احتفالية، ولهذا أيضاً ترى أولئك الوكلاء يهددون دائماً بما لا طاقة لهم فيه، وأكبر شاهد على ذلك النظام التركي الذي مازال يحمل بوصلته جاعلاً من الشمال فيها ما يسمى المنطقة الآمنة، رغم أن منطقة الجزيرة التي يفكر بإقامة تلك المنطقة فيها، لا تشكل له ذاك الشمال، في وقت يواصل فيه دفع إرهابييه لاستهداف ممرات المدنيين واستخدامهم دروعاً بشرية والاحتماء بظلهم.
لا أميركا ولا من يعمل تحت وصايتها يفكر بالسوريين، أو بطريقة لإنهاء الحرب الظالمة عليهم، لطالما أولئك يستثمرون في الجزئيات والتفاصيل، وجلّ همّهم اشتعال المزيد من النيران في الأنحاء السورية، وإذا عاكسهم الحظ، فهم بالضرورة مضطرون للبحث عن مواقد جديدة، في وقت لا تعير فيها إدارة دونالد ترامب أي اهتمام للأصوات المنبعثة من الداخل الأميركي لوقف المجازر التي يرتكبها هو ومسؤولو البيت الأبيض، ويمولها أعراب الخليج.
كتب حسين صقر
التاريخ: الجمعة 20-9-2019
رقم العدد : 17079