حرب تشرين حرب عربية إسرائيلية

 

ستة وأربعون عاماً مرت على قيام حرب تشرين التحريرية التي خاضها الجيشان العربي السوري والمصري بمواجهة العدو الصهيوني وحماته، وهو الذي يحتل فلسطين وأراضي سورية ومصرية وأردنية ولبنانية تلك الحرب التي شكلت تحولاً مهماً في ديناميات الصراع العربي الصهيوني، وكسرت قواعد الاشتباك التي اعتقد العدو أنه استطاع ترسيخها بعد عدوان حزيران عام ١٩٦٧ إضافة إلى أنها أسقطت العديد من المقولات التي سعى الصهاينة لتثبيتها في وعي الجمهور العربي، ولاسيما الجيوش العربية من قبيل الجيش الذي لا يقهر والذراع الطويلة، وعدم القدرة على نقل المعارك لداخل الكيان، وأسطورة التفوق الجوي، وانعدام الإرادة في القدرة على اتخاذ قرار الحرب وغيرها من أكاذيب روجها إعلام العدو في إطار الحرب النفسية التي شنت بعيد حرب حزيران استثماراً في النجاح الذي حققه في تلك الحرب الخاطفة.
وفي ظل الظروف السيئة التي تعيشها أمتنا العربية ودولها وحالة الانقسام والتشظي التي وصل إليها العرب والتغول الإسرائيلي في بلداننا العربية والاستهتار غير المسبوق بالحقوق الفلسطينية حيث التهويد والقضم والعدوان والتنكر لقواعد الشرعية الدولية والتملص من كل الاتفاقيات المذلة والمجحفة بحقوق العرب والفلسطينيين على ضعفها وسطحيتها، والمناخ الدولي الذي يبدو واضحاً أنه أصبح خارج كل الحسابات الإسرائيلية، والشلل الذي تعاني منه المنظمة الدولية التي أصبحت ديكوراً أممياً غير قادر على اتخاذ أي قرار يتعارض مع مصالح القوى الكبرى المهيمنة عليها بعيداً عن ميثاقيته من عدمها كل ذلك يترافق مع سلوك عدواني أميركي تجاه أغلب دول العالم تمثله إدارة ترامب الذي يبدو أنها تتصرف وكأن العالم سوق تجارية تقع تحت رحمة ووطأة الدولار الأميركي وفائض القوة الاقتصادية والعسكرية والإعلامية للعم سام.
أمام هذا المشهد المؤسف والصعب وما يرتبه ذلك من تحديات تبدو الحاجة لاستعادة روح تشرين وعنفوانها ضرورية لنا نحن العرب لأننا ومع الأسف أصبحنا خارج الحسابات الاستراتيجية في لعبة الأمم، والسبب الرئيسي الذي يقف وراء ذلك هو حالة الانقسام والفرقة والتشرذم التي يعاني منها النظام السياسي العربي وانكشافه واصطفافاته الخاطئة واستلاب الإرادة السياسية للعديد من الأنظمة العربية بسبب الارتهان للقوى الخارجية والاستتباع السياسي لإرادتها ومصالحها دون النظر للمصلحتين الوطنية والقومية، وما لذلك من نتائج سلبية على منظومة الأمن القومي العربي التي أصبح الإرهاب وما يستتبعه من تدخلات خارجية بذريعة محاربته متلازمة سياسية تحكم آليات الصراع في المنطقة وتخيم على المشهد العام فيها.
إن آلية الخروج من هذا المأزق الذي وقع أو أوقع العرب فيه بسبب الحسابات الخاطئة والاستتباع السياسي للقوى الخارجية وسطوة دول الخليج العربي على المشهد العام خلال العقد المنصرم وتبعيتها الكاملة للغرب والكيان الصهيوني وغياب التنسيق السوري المصري العراقي بحكم ما تعرضت له مصر والعراق عبر كامب ديفيد والغزو الأميركي الغربي للعراق والحرب العدوانية الشرسة التي تعرضت لها سورية بهدف تدميرها وإخراج جيشها من معادلة الصراع العربي الصهيوني وكسر العمود الفقري لمحور المقاومة كل ذلك كان هدفه هدم وإزاحة أعمدة البنيان العربي التاريخي والحضاري الذي تمثله تلك الدول الثلاث على مدار التاريخ دونما تقليل أو تقزيم لدور وأهمية باقي الأقطار العربية.
إن نظرة فاحصة وموضوعية لديناميات الصراع في منطقتنا وعلى رأسها وفي مقدمتها الصراع مع العدو الصهيوني تشير إلى أن الخط البياني لذلك قد بدأ بالهبوط بعيد حرب تشرين التحريرية وقد كان مؤشره يتحرك صعودا بدءاً من قيام اتحاد الجمهوريات العربية عام ١٩٧١ والذي ضم سورية ومصر وليبيا، وقامت حرب تشرين وعلم واحد يرفرف في سماء دمشق والقاهرة وطرابلس على رمزية المشهد، ووصل إلى سقفه مع قيام تلك الحرب المفخرة والملحمة العربية التي خاضها جيشان عربيان بشكل أساسي هما السوري والمصري، ولكن شراكة على مستوى ما وهنا بيت القصيد قد قامت بها قوات عسكرية من أغلب الدول العربية منها الجيش العراقي بعدة فرق، والتجريدة المغربية التي سجلت مواقف بطولية في الجبهة السورية وجيش التحرير الفلسطيني واللواء أربعون الأردني ووحدات سعودية وكويتية مقاتلة وإن كانت محدودة العدد، وعلى الجبهة المصرية قاتل الجزائريون والليبيون والسودانيون والتوانسة واليمنيون والليبيون والموريتانيون وغيرهم والمهم في الأمر أن قرار قتال العدو الصهيوني وتحرير فلسطين قد وحد العرب ووحد الدم العربي الذي أريق في جبهات القتال، حيث قاتل الجنود العرب بروح عالية وإرادة قوية وتوحد الشارع العربي تحت ذلك العنوان، فاتجهت أنظار العرب إلى ساحات القتال أملاً بالنصر كما جاء على لسان القائد المؤسس حافظ الأسد في كلمته التي وجهها عبر التلفزيون العربي السوري مساء السادس من تشرين مستنهضاً إرادة الصمود والكرامة ومستحضراً أجمل ما في تاريخنا من صور ومواقف بطولية تختزنها الذاكرة الجماعية العربية من القادسية إلى اليرموك ربطاً بتشرين.
إن سوداوية المشهد لا تلغي حقيقة أننا قادرون على استجماع عناصر القوة واستنهاض الأمة، ولعل الانتصار السوري على المشروع الأميركي الصهيوني، وما حققته المقاومة اللبنانية والفلسطينية وتحققه من نجاحات وبداية عودة الروح والوعي للشارع العربي والاستثمار في ذلك كل ذلك يمكن أن يشكل إرهاصات أولى لانطلاقة واثقة نحو مستقبل يقلب كل المعادلات ونستعيد بها روح تشرين بإرادة ووعي جديد.

 

د خلف المفتاح
التاريخ: الاثنين 7-10-2019
الرقم: 17092

آخر الأخبار
ريال مدريد يفتتح موسمه بفوز صعب  فرق الدفاع المدني تواصل عمليات إزالة الأنقاض في معرة النعمان محافظ إدلب يستقبل السفير الباكستاني لبحث سبل التعاون المشترك ويزوران مدينة سراقب رياض الصيرفي لـ"الثورة": الماكينة الحكومية بدأت بإصدار قراراتها الداعمة للصناعة "نسر حجري أثري" يرى النور بفضل يقظة أهالي منبج صلاح يُهيمن على جوائز الموسم في إنكلترا شفونتيك تستعيد وصافة التصنيف العالمي الأطفال المختفون في سوريا… ملف عدالة مؤجل ومسؤولية دولية ثقيلة مبنى سياحة دمشق معروض للاستثمار السياحي بطابع تراثي  "السياحة": تحديث قطاع الضيافة وإدخاله ضمن المعايير الدولية الرقمية  فلاشينغ ميدوز (2025).. شكل جديد ومواجهات قوية ستراسبورغ الفرنسي يكتب التاريخ اهتمام تركي كبير لتعزيز العلاقات مع سوريا في مختلف المجالات الساحل السوري.. السياحة في عين الاقتصاد والاستثمار مرحلة جامعية جديدة.. قرارات تلامس هموم الطلاب وتفتح أبواب العدالة تسهيلات للعبور إلى بلدهم.. "لا إذن مسبقاً" للسوريين المقيمين في تركيا مرسوم رئاسي يعفي الكهرباء من 21,5 بالمئة من الرسوم ..وزير المالية: خطوة نوعية لتعزيز تنافسية الصناعي... لقاء سوري ـ إسرائيلي في باريس.. اختبار أول لمسار علني جديد تركيب وصيانة مراكز تحويل كهربائية في القنيطرة زيارة وفد الكونغرس الأميركي إلى دمشق… تحول لافت في مقاربة واشنطن للملف السوري