الاستشراق في فكر الغرب ونظرته للشرق هي نظرة فوقية غالباً, وقد خلقت عداءات متكررة بين الشرق والغرب برغم الخلفية العريقة للحضارات الشرقية..
نكتشف يوما بعد يوم أن مجمل الباحثين الذين كتبوا في الشرق وعن الشرق جاءت كتاباتهم صور مسبقة وصور خلفية لما يروجه الإعلام الغربي، وفيما ندر نجد الباحثين قد فصلوا بين تلك النظرة التي يعتمدها ويروجها الإعلام بمؤسساته المأجورة والتي وظيفتها تأجيج الصراع الدائم وخلق الصورة المشوهة للشرق بكل أطيافه..
الباحثون الغربيون القدماء رأوا في الشرق مجموعة أساطير وحكايا وأرض للعجائب رغم مرور شخصيات كان لها أثر كبير في حياة الغرب وانطلاقتها بدأت من الشرق، فالعداء الأول والاعتداء بدأ من الغرب تجاه الشرق, وبدا واضحا في الهجوم الغربي العنيف ضد الشرق في القرون الوسطى حيث قدم المشرق كمكان للردّة والهرطقات المتعددة التي تتحدى الغرب وتهدده.
حتى إن وُجد بحث أو كتاب يهتم بالشرق بطريقة أكاديمية وإيجابية من وجهة نظرنا تغلفه المصالح وتكون غايته سبر أغوار وتفاصيل الشرق وعاداته وثقافاته والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحيطة به ليتمكن الغرب من الولوج إليه واستبداده وممارسة اللصوصية بحقه وهذا ما حصل في كتاب (وصف مصر) لادوارد لين الذي كان من ضمن البعثة العلمية والاستكشافية التي أحضرها نابليون بونابرت عندما احتل مصر…
الاستشراق تعرض لحملات نقدية واسعة والغرب غيّر اصطلاح الاستشراق إلى الدراسات الإسلامية والإنسانية في جامعاته ومراكز البحث، ولم ينصف الغرب يوما الشرق وحتى الشرق بهيمنة الغرب بقي يظلم نفسه، ولم يأخذ الشرق حقه في البحث العلمي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والفني والأدبي والفلسفي والجغرافي والتاريخي بسبب اللصوص الذين بقيت غايتهم من الشرق محو سيادته والاستمرار في خلق التفوق الغربي على كافة الشعوب والثقافات غير الأوروبية، وهذا ينبئ بالخوف الأوروبي الدائم من الشرق الذي هو مصدر حضارته ولغته ومنافسه الثقافي عبر التاريخ، من هنا تأتي فكرة استعمار الشرق والهيمنة عليه هو الضمان والسلامة لبقاء واستمرار الغرب..
هناء الدويري
التاريخ: الجمعة 1 – 11-2019
رقم العدد : 17112