من خلال نظرة المرأة إلى ذاتها اكتشفت أقنوم جسدها، فإذا هي في مواجهة لهذا الجسد وهو المحور الأساسي لكل حياتها، ومشكلاتها العاطفية، والاجتماعية، وربما المصيرية التي تصل أحياناً ليس إلى حد الثأر، والاختطاف، والاغتصاب بل إلى حد القتل، والموت. فما هو هذا الجسد؟ ما الذي يفرضه عليها، وإلى أين يقودها؟
هي أسئلة كثيرة جداً تعرضت لها الرواية العربية التي كتبتها المرأة واستطاعت أن تلامس بعضاً منها، أو أكثرها، لكنها لم تستطع الوصول إلى حلول لها لأن المرأة تظل جزءاً من المجتمع، ولأن الرجل وقد تنبه إلى تمرد المرأة حتى من خلال جسدها أخذ يشهر أسلحته لكي يهاجمها، ويسيطر عليها إن لم يكن فعلياً فروائياً.
وما أكثر الانتقادات التي وجهت إلى الروايات النسائية في النصف الثاني من القرن الماضي حتى وصل الأمر إلى اعتبار أن بطلة كل رواية هي الروائية نفسها وهي صاحبتها، وأن هذه هي تجربتها الخاصة، ويجب أن تحاكم عليها فإما أن تصل الى منصة الاعتراف بها على المنابر، وإما أن تصل إلى المقصلة فتعدم.
وإن كانت المرأة لا تستطيع أن تبتعد كثيراً عن تجربتها الشخصية ومحورها الذاتي، إلا أن الفن الروائي شيء آخر يمكن أن تصبح فيه البذرة شجرة، وما هو طيف من واقع يصبح عالماً مترامي الأطراف، ومجسداً. وهل أقول في هذا المجال إن الروائية العربية كانت تقلد الروائية الغربية من أمثال الأخوات (برونتي)، أو (جين أوستن)، أو (مارغريت ميتشل)، أو (سيمون دوبوفوار)، أو (فرانسواز ساغان) أو من عاصرهن، أو جاء بعدهن من الروائيات؟
لعل في هذا شيء من الحقيقة، إلا أن هناك فارقاً كبيراً بين الروائية العربية والروائية الغربية، ولو أن المنهج الروائي واحد، والتعبير الحر عن المشاعر، والعواطف، والأفكار هو متقارب.. لكن المرأة العربية لم تتصالح مع جسدها من منطلقات دينية، أو أعراف، وتقاليد اجتماعية، فوقعت أسيرة هذا الجسد. وعندما بادرت للكتابة عنه كمحور روائي كانت المصاعب، فالتعرض إلى مواضيع كهذه تحتاج إلى مقولات فلسفية تجعلها تتواءم مع ذاتها أولاً، ومن ثم تتحدث عن هذا الجسد كما تشاء، وهي على أي حال لا تزال بحاجة إلى فسحة أكبر من الزمن قبل أن تغامر في التعاطي مع هذا الطرح الروائي تحديداً.
ولعل التمرد بحد ذاته كان الموضوع الاستلهامي الرئيسي للمرأة الروائية، وإن لم تكن أحياناً تعرف كيف تتمرد، ولا إلى أين سيصل بها هذا التمرد.. بل إنه التمرد وكفى مهما تكن النتائج، ومهما تكن الذيول التي يجرها هذا التمرد على الروائية ذاتها، وعلى إنتاجها الإبداعي أيضاً.
ولا نغفل في هذا المجال نساءً نلن قسطاً وافراً من التعليم حتى ما بعد الجامعي في التاريخ مثلاً، أو العلوم الإنسانية، أو أي من العلوم الحديثة الأخرى استطعن أن يسخرن كل هذا لأعمالهن الروائية، فما بالنا إذا كنَ اختصاصيات في علم الاجتماع، أو علم النفس، أو الطب؟ إن هذا حقل خصيب ليكون مادة لأعمالهن الروائية، لينسجن منه أحداثها، وليصنعن من اختصاصاتهن شبكة واسعة تتصل بالواقع من حيث الأحداث، والأبطال.. والقارئ يظل مشغوفاً بالرواية، وهي النموذج التعبيري السائد في هذا الزمن.
خيوط من تمرد غزلتها الرواية عبر تجارب عديدة كان الجسد محورها.. قد ندري أو لا ندري أين ستصل بنا بعد إمكانية تحويل الرواية من المقروء إلى المسموع، ومن كليهما معاً إلى المرئي.. وبعد أن مرت المرأة عبر العصور بمراحل عزلها لعدم فهم دورها، لتأتي شحنة التمرد كقوة دفع لها.
لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 20-12-2019
الرقم: 17151