يقول ريتشارد نورتون تايلور: بأن طائرات التجسس والقاذفات التابعة لحلف الناتو تحلق ليلاً ونهاراً فوق ليبيا معلنة استمرار الحرب في هذا البلد الذي لم يذق طعم الأمان منذ اغتيال الرئيس الراحل معمر القذافي وغرق الشعب الليبي في براثن حرب فوضوية لا نهاية لها في المنظور القريب مع تواصل حرب المليشيات المتنازعة إلى ما لا نهاية.
حيث تعيش العاصمة الليبية طرابلس في حالة حرب دائمة ونزاعات متعددة منذ اغتيال القذافي، تعتبر الحرب في ليبيا صراعاً دائراً بين أربع منظمات متناحرة تدار أوربياً وأمريكياً ومن قبل الناتو وهي تسعى للسيطرة على ليبيا وعلى النفط الليبي، وجذور الأزمة تكمن في الوضع المزري وحالة الفوضى التي سادت البلاد عقب اغتيال الرئيس وأبرز سماتها وجود جماعات مسلحة عديدة تحاول الوصول للحكم، والصراع اشتعل بين الحكومة التي كانت آنذاك المعترف بها دولياً والمنبثقة عن مجلس النواب الذي انتخبها في عام 2014 والذي يتخذ من مدينة طبرق مقراً مؤقتاً، والمعروفة باسم الحكومة الليبية المؤقتة ومقرها في مدينة البيضاء شرق البلاد.
وحكومة إسلامية تتناحر معها أسّسها المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته القانونية ومقرها في مدينة طرابلس، وفيها مجموعات مسلحة تتبع للمؤتمر الوطني العام، وتسمى أيضاً حكومة الإنقاذ الليبية تقودها جماعة الإخوان المسلمين، ومدعومة من قبل تحالف جهات إسلامية تعرف باسم فجر ليبيا وتحظى بدعم من قطر وتركيا، وقد حكمت المحكمة الليبية العليا ببطلان التعديلات الدستورية التي أقرّتها لجنة تسمى بلجنة فبراير والتي أطاحت بجميع القرارات الناتجة عن هده اللجنة بما فيها انتخابات البرلمان التي حكمت ببطلانها قانوناً، وبالإضافة إلى هذه هناك أيضاً جماعات متنافسة أخرى أصغر: وما يسمى مجلس شورى ثوار بنغازي الإسلامي، الذي تقوده جماعة أنصار الشريعة، الذي حصل على دعم مادي وعسكري من المؤتمر الوطني العام، وكذلك ميليشيات الطوارق في غات، والتي تسيطر على المناطق الصحراوية في جنوب غرب البلاد، والميليشيات المحلية في منطقة مصراتة والتي تسيطر على بلدتي بني وليد و تاورغاء. والمتحاربين هم عبارة عن ائتلافات من الجماعات المسلحة والتي تغير الجانب الذي تحارب معه في بعض الأحيان.
و يذكر أن المؤتمر الوطني العام حكم ليبيا لفترة بعد انتخابات عام 2012 ومنذ ذلك الحين سيطرت التيارات المتطرفة على المجلس، مقصية الأغلبية المنتخبة المكونة من تياري الوسط والليبراليين، وتم انتخاب نوري أبو سهمين رئيساً للمؤتمر في حزيران 2013، حيث استخدم أبو سهمين صلاحياته لقمع المناقشات والاستفسارات داخل المؤتمر، وفي نهاية عام 2013 صوّت المؤتمر الوطني لفرض قرارت متطرفة وقرر تمديد مدة ولايته البالغة 18 شهراً لمدة سنة إضافية حتى نهاية عام 2014 وسط رفض شعبي.
وفي محاولة انقلاب من الجنرال خليفة حفتر الذي دعا لحل المؤتمر الوطني العام وتشكيل حكومة مؤقتة للإشراف على انتخابات تشريعية جديدة، في منتصف عام 2014، أطلقت القوات البرية والجوية الموالية للجنرال حفتر عملية عسكرية سميت عملية الكرامة ضد الجماعات المتطرفة المسلحة في مدينة بنغازي، ومع تصاعد النزاع في عام 2014 وعندما أطلق الإسلاميون في طرابلس عملية فجر ليبيا للاستيلاء على مطار طرابلس الدولي، حيث استولت عليه من ميليشيا مصراتة في 23 أب ، مخلّفة دماراً في منشآت المطار والطائرات به، بعد ذلك بوقت قصير، قام أعضاء سابقون من المؤتمر الوطني العام والذين رفضوا انتخابات تموز ونتائجها، قاموا بعقد جلسة المؤتمر الوطني العام الجديد وصوتوا لأنفسهم كبديل لمجلس النواب المنتخب حديثاً، متخذين من طرابلس عاصمة سياسية لهم، وتم وضع نوري أبو سهمين رئيساً وعمر الحاسي رئيساً للوزراء، ومع سيطرة الميليشيات المتشددة المدعومة من المؤتمر الوطني العام على مدينة بنغازي وهجومها على معسكرات الجيش الليبي بالمدينة التي كان يفترض بها ووفقاً للإعلان الدستوري المعدل أن تكون مقراً لمجلس النواب المنتخب ونتيجة لذلك، اضطرت الأغلبية في مجلس النواب للانتقال إلى طبرق في أقصى الشرق وتحالفت مع قوات الجنرال حفتر الذي تم ترشيحه كقائد للجيش الليبي 6 تشرين ثاني من نفس العام، وأعلنت المحكمة العليا في طرابلس، التي يسيطر عليها المؤتمر الوطني العام الجديد حل مجلس النواب، ورفض مجلس النواب هذا الحكم الذي صدر تحت التهديد.
في 16 من كانون الثاني عام 2015 وافقت وقتها قوات حفتر وفصائل فجر ليبيا عليه وتم وقف اطلاق النار، لتقاد البلاد من قبل حكومتين منفصلتين، مع سيطرة المؤتمر الوطني العام وقتها من خلال القوات الموالية لفجر ليبيا على مدينة طرابلس ومناطق مصراتة والزاوية وغرب البلاد، في حين أن المجتمع الدولي ظل حينها يعترف بالحكومة الليبية المؤقتة التي يترأسها عبد الله الثني في مدينة البيضاء ومجلس النواب في طبرق، ما سمح باشتعال القتال من جديد في مدينة بنغازي التي شهدت نزاعاً مسلحاً بين القوات الموالية للفريق خليفة حفتر والإسلاميين الراديكاليين، وتوسطت بعد ذلك الأمم المتحدة في كانون أول عام 2015، و في يوم 31 آذار عام 2016 وصل قادة حكومة التوافق المرتقبة والتي تدعمها الأمم المتحدة إلى القاعدة البحرية في أبو ستة في طرابلس. ولكنها لم تتسلم مقر الحكومة في المدينة أو أي من المقرات الحكومية الأخرى والذي رفضت حكومة الإنقاذ التابعة للمؤتمر الوطني العام برئاسة خليفة الغويل تسليمها.
وفي تموز 2017، أعلن الجنرال خليفة حفتر النصر لمصلحة الجيش الوطني الليبي في معركة بنغازي بعد ثلاث سنوات من الصراع مع الجماعات المسلحة.
واعترف الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم 11 نيسان 2016 أن أسوأ خطأ ارتكبته رئاسته كان عدم الاستعداد لمرحلة ما بعد القذافي في ليبيا ما يعني دخول البلاد في دوامة حرب لاهوادة فيها ولانهاية لها وحتى بعد انتهاء ولاية أوباما، ها هو ترامب يمشي على خط سلفه ويحتار في أمره مع ما يحصل في ليبيا من نزاع وخاصة بعد تلويح تركيا بالتدخل العسكري في ليبيا.
الغارديات
ترجمة غادة سلامة
التاريخ: الجمعة 27-12-2019
الرقم: 17156