لا أدري لماذا خطر ببالي أن أدعو بإلحاح لأن أرتاح من عناء الركوب بالحافلات خصوصاً في أوقات الذروة وأنا في طريقي للعمل.. أي نعم يا (جماعة الخير) دامت سعادتكم.. فأنا منذ انخراطي في الوظيفة لم أعرف قط طعماً للمواصلات المدللة.. أمتطي ظهور الحافلات فقط.. وحتى عندما حاولت التوفير لم أستطع أن (أوفر) ذلك المبلغ الفلكي قبل وبعد الأزمة الاقتصادية التي نمر بها لأشتري به وسيلة نقل خاصة.. خصوصاً بعد نزول الدولار إلى مراعيه الخضراء.. لذلك فقد سلمت أمري لخالقي ورضيت بالحافلة وسيلتي الوحيدة لنقلي من مكان لآخر ومن مصيبة لأخرى أيضاً.
فركوب الحافلات وخصوصاً (النقل الداخلي) يومياً لا بدّ وأن يُوقع المرء في مشكلات لا حصر لها خاصة مع شخص مثلي تلاحقه المطبات الطرقية والمعنوية لتقيم معه طقوس صداقة يومية.
على كل حال.. عليكم أن تعلموا أنّ رحلة العذاب مع الحافلة تبدأ منذ الصباح الباكر.. فأنت ما إن تطأ قدمك أرض الحافلة حتّى تستقبلك روائح العطر (الثقيل) من السيدات والسادة تتمنى بعدها لو أنك تستطيع أن تلمس جهازك التنفسي لتطمئنّ على سلامته خصوصاً إن كنت تعاني من نوبات (ضيق نفس) وتتحسس من العطور… أو تجد نفسك مضطراً أن تحمل لافتة مكتوب عليها (ممنوع دخول الحافلات لآكلي الثوم والبصل).
وصرت خبيراً بأحوال الركاب في (مسلسل الركوب الهندي) اليومي الطويل من حركة أنفاسهم وهم يتزاحمون من حولي بين مالئ البطن.. ومن هم من فئة أصحاب البطون الخاوية.
ولَكُم أيضاً أن تتخيّلوا حجم المعاناة التي يعانيها أمثالي من الموظفين والمواطنين من الزحمة وما يحصل فيها من عصر مدروس ومتناغم من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين… ولكن من سيهتم.. فالمنسيّون أمثالي وأمثالكم ليس مهمّاً بماذا أو لماذا يعانون في الحافلات وغيرها.. ولكن المهم أن يريحوا العالم من أعبائهم ومطالبهم الّتي لا تنتهي.
وستكون سعيد الحظ لو كنت واقفاً بجانب الشبّاك تتنشق بعض الهواء الطّازج.. أو نجوت ممن يدفعك من دون قصد لينزل من الحافلة قبل أن تغلق أبوابها.. أو كنت بجانب السائق فيكون وقع المطبات عليك خفيفاً.. وتقول لتلك الحافلات رفقا بالباقين المتعبين من المصائب والويلات اليوميّة التي تضيفينها لهم فوق همومهم المنوعة والغزيرة…
منهل ابراهيم
التاريخ: الثلاثاء 7-1-2020
الرقم: 17162