لعلني لا أغالي إذا ما قلت بأن المنجز الأدبي والعمق الفكري والمعرفي للدكتورة نجاح العطار هي ميزات لفتت إليها أنظار القائد الخالد حافظ الأسد، فضلاً عن الأدباء و القراء حين كانت تكتب وتنشر المقالة والقصة والدراسة، وهذا ما أدى إلى أن تتبوأ وزارة الثقافة لسنوات نضرات وارفات بالعطاء، ومزدهرات بالنشر والترجمة، والمهرجانات الأدبية الكبيرة التي كانت الدعوة إليها والمشاركة فيها غاية الغايات عند أدباء سورية و الوطن العربي من المحيط إلى الخليج .
وأذكر أول مرة تلقيت فيها الدعوة للمشاركة في مهرجان المحبة، حين كان المهرجان مهرجاناً بكل ما تعنيه الكلمة ..شعرت بأن هذه الدعوة هي تقدير للكلمة ولدورها، وللمشروع الأدبي الذي أعمل لأجله .. يومها كانت الدكتورة نجاح العطار بكل ألقها وثقافتها العالية تلقي كلمة الافتتاح التي بهرت الحضور، وجعلت من المثقفين المدعوين يبصمون بكل الحب لتتويج الدكتورة نجاح وزيرة للثقافة العربية .
كانت خطاباتها تحمل فكراً نيراً ولغة متينة ومعان سامية عالية الهدف والمضمون والصور، ولذلك اكتسبت الثقة والاحترام من جميع المثقفين.
وبالعودة إلى تلك الفترة المزدهرة ثقافياً، لا بد من مراجعة كتب الدكتورة نجاح العطار الكثيرة التي طبعتها وزارة الثقافة مؤخراً وهي كنز معرفي ولغوي ورؤيوي مهم.
تقول في كلمتها الافتتاحية للمؤتمر الثامن للفنانين عام 1998- هكذا هو الفن، في سيرورته مع الزمن وفي انتصاره عليه لأنه مكتوب أن الفن هو الأصل، والأجناس الإبداعية هي الفروع .
لم تكن نجاح العطار تكتب لمجرد الكتابة،أو تكتب خطابها لمجرد الإلقاء .. بل كانت تكتب كمبدعة وصاحبة رؤيا نقدية وفكرية للفن بكل أصنافه، لقد قالت عن الشعر (وكما أن على الشعر الحقيقي، في أقصى طموحاته، أن يدفع الظلم عن الإنسان والعدوان عن الوطن والإهانة عن الأمة، وان تكون له وظيفة اجتماعية إنسانية، تبلغ به أن يترجم عن الذات إلى الذات، وينقل بوح القلب إلى القلب) .
وفي تعبير عالي الدقة والتقدير لدور الأدب والفن التشكيلي في استنهاض الوعي الجمالي والإنساني والحث على تبني قضايا الأمة والوطن والدفاع عن تلك القضايا، تذكرنا نجاح العطار في كلمة لها في افتتاح المعرض التشكيلي بأن بيكاسو في لوحة – غيرنيكا – قد صور جريمة الفاشية في إسبانيا، إبان الحرب الأهلية الإسبانية، فجاء بول إلوار بقصيدته الشهيرة – غيرنيكا – ليمجد ما فيها من صرخة ضد الفاشية المجرمة، وتقول (إن الفن في صورته الأبهى هو صرخة الإنسان بأعلى مداها ضد كل ما هو غير إنساني).
إن خطابات الدكتورة نجاح العطار ومقالاتها وحواراتها في الفترة التي تسلمت فيها وزارة الثقافة لم تكن مجرد خطابات كما ذكرت، بل كانت نصوصاً أدبية راقية، مبتكرة الخيال الأسلوب الخاص بها والذي يميزها وحدها من بين معظم وزراء الثقافة العرب مع الاحترام للجميع، وإذ كانت تلك الخطابات قد جاءت في مناسبات رسمية، ولكنها كانت تؤرخ أيضاً لمرحلة تاريخية وثقافية واجتماعية مرت بها سورية واستطاعت، على الرغم من التحديات، أن تخطو خطوات واسعة في مجال الثقافة بكل فروعها سواء، في الأدب والموسيقا والمسرح والفنون التشكيلية والسينمائية، فكانت في عهدها – وزارة الثقافة – خلية نحل – وكانت الظروف متاحة ومهيأة لتلقف الفكر والمعرفة، تقيم المهرجانات الدولية والعربية، وتستقبل كبار المثقفين العرب والأجانب. صارت دمشق حاضرة بقوة، وبهية بقوة، وبيت ضيافة للجميع، ولعل دمشق لا تزال كذلك (قلب العروبة النابض وأقدم مدينة في التاريخ ولا يزال خطها القومي والعروبي باهراً)..ولكن هي الظروف التي تغيرت، فتغيرت المعطيات وتغيرت النتائج والأسباب ..وبتنا نمد اليد للأخ والصديق فيدير لنا طهر الكلام ..والكلام جد مؤثر وصادق وباق كما حجر التاريخ ..ولا بد من ترداد ما قالته الأديبة والوزيرة نجاح العطار ( لم يعد التاريخ، خاصة في عصرنا، كلمة مكتوبة أو عمارة قائمة أو تمثالاً أو رقماً فقط،بل هو صورة ولوحة ونوطة)
وأضيف، وإبداع وعمل دؤوب مخلص تذوب فيه الروح ليبقى الوطن ورموزه المضيئة باقية على مدى الدهر.
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 22 – 1 – 2020
رقم العدد : 17174