هل من الواجب إعطاء الأجيال جرعة من حب الوطن ليكون الدفاع عنه أكيداً وأصيلاً؟.. سؤال قد نطرحه على أنفسنا ونحن نرى الأجيال الصغيرة تتعلق بالثقافة الغربية حتى كادت تنسى ثقافتها الوطنية، ورموز أوطانها.
أجيال باتت تنبهر بكل ما يأتي إليها من ثقافات غريبة، والتقنية الحديثة بإمكاناتها الفائقة تغزو النفوس، والعقول حتى أوشكت الهوية الحقيقية أن تضيع مع المفردات الأجنبية التي تخترق اللغة العربية، ومع التقليد الذي يكاد أن يكون أعمى، ومع الاقتداء بالنماذج العالمية من مشاهير الغناء، والرقص، والتمثيل، والرياضة، الخ.. فما عادت رموزنا الوطنية تستقطب إليها من يعتبرها النموذج المثال، وما عاد الاقتداء بها إلا مجرد سؤال تختصره كلمة: لماذا؟ أو عبارة: لماذا أفعل واقتدي بها مادمت أجد من حولي نماذج أكثر معاصرة، وجاذبية، بل شهرة أيضاً لتكون لي بديلاً منها؟
والحقيقة أنه ليس مطلوباً للرمز المحلي، أو العربي أن تنطبق عليه مواصفات العالمية، ونحن أدرى الآن بالرموز التي باتت تهدم الثقافة العربية لتصبح عالمية، وبامتياز أيضاً.. وفي هذه الحال تنزاح الرموز الحقيقية المحلية منها، أو العربية لتحل محلها تلك الأخرى ذات المواصفات، والمقاييس العالمية.
وإذا كانت هذه المقاييس غير ممكنة التحقيق بالنسبة لمن نعتبرهم نحن رموزاً لنا فهل هذا يعني إعدامهم لصالح تلك الزائفة، أو خلق غيرها معاكسة لها؟.. بالطبع لا.. لأن ضمير الجماهير هو الذي يفرز بشكل عفوي، فطري، وتلقائي.. فضمير الجماهير هو دوماً نقي، وهو الأقدر على التوجه نحو رموزه الأصيلة.
وغير بعيد عن قصص المناهج المدرسية فلماذا لا نكرس من خلالها لعلمائنا، ومفكرينا المعاصرين مثلما نفعل تجاه أسماء خلدها التاريخ ولم يغفل إنجازاتها.. بل هي في واقع الأمر تذكر بنفسها في مجالها سواء في الطب، أم الهندسة، أم الرياضيات، أم الأدب، أو غيرها.. بينما تلك المعاصرة والتي ما تزال تنبض بالحياة بيننا نكاد ننسى إنجازاتها، ولا نضع آثارها تحت الأضواء لنخلق منها المثال لكل من تلاها من الأجيال.
ورغم أنه قد يكون من تلك الرموز مَنْ خلق لنفسه رمزاً فاقتدى به إلا أنه راح ضحية أفكاره التي لم يستطع تحقيقها، وإنجازها على أرض الواقع إلا أنه أرسى قواعد مثالية للمجتمع، فمشى المجتمع عليها فيما بعد، ليصبح أمثال هؤلاء حُكماً في مصاف الرموز.. فالممارسة بحد ذاتها هي ما جعلت من هذا بطلاً، ومن ذاك نموذجاً للتضحية والوطنية كحال أولئك الذين صنعوا استقلال بلادهم.
ومع التأكيد على ضرورة صنع الرموز للأمة يكون التأكيد في الوقت ذاته على الانتماء للوطن.. وقد لا نستبعد من القائمة التي تطول في مجالاتها العديدة والمتعددة أيضاً ما يخص الموسيقا، والغناء ولو جاءت في آخر السلم، أو القائمة.. فهي بالتأكيد تربي الذوق على موسيقانا، ونوعية حياتنا حتى لا يعتاد أبناؤنا على كل ما يأتي به الغرب فقط.
ولعل اتصال التاريخ بين أجزائه هو عنصر آخر له دلالاته العميقة في تكوين الانتماء في النفوس أيضاً.. لأن التاريخ هو هوية.. وهو كلٌ واحد لا يجوز تغييب مفاصل منه، أو إبراز حقبات على حساب الأخرى.. كأن يكون هناك انقطاع مثلاً بين التاريخ الفرعوني والآخر المعاصر فيغيب معه اليوناني؟.. ولماذا يتم التركيز على تاريخ واحد ولو كانت آثاره مبهرة بما يطغى على مراحل تاريخية أخرى هي على درجة لا يستهان بها من الأهمية في تاريخ البلاد؟.. فالاستمرار في سياق التاريخ من حيث الاهتمام بمحطاته، ورموزه يخلق أفقاً واسعاً أمام الأجيال المتعاقبة للاختيار في المستقبل بعد أن تكون قد كُشفت أمامها كل أوراق التاريخ.. وهذا بالتالي له دوره الإيجابي، والخطير بآن معاً في رص صفوف أبناء البلد الواحد إزاء الأزمات، والفواجع الوطنية.
فالفرد الرمز هو ضرورة.. وجعله حياً يرسم مساراً للمثال الذي ستقتدي به الأجيال، ونحن ننظر بعين الانتماء إلى الأوطان.
لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 14-2-2020
الرقم: 17193