ثورة أون لاين – فاتن أحمد دعبول:
ربما الميزة التي تسم المبدعين من الأدباء هي قدرتهم على التعبير عما يشعر به الآخرون ولا يقدرون على وصفه، ليكونوا لسان حالهم، يواكبون ما يدور في مجتمعاتهم من أحداث قد تصيب البشرية سواء على صعيد الحروب والأزمات، أو على صعيد الأوبئة والأمراض التي قد تجتاح البلاد.
وفي عودة إلى نتاجات عدد من الروائيين والشعراء تطالعنا نتاجاتهم بقصص إنسانية ترصد ما أصاب البشرية من آلام وفقد وحجر صحي، جميعها تصدر من رحم المعاناة الإنسانية، وليست قصيدة نازك الملائكة عن الكوليرا إلا واحدة من هذه النتاجات، ونقرأ العديد من الروايات “الحب في زمن الكوليرا، إيبولا، طاعون، الرمز، استئصال العمى، الليالي المتوحشة ..”.
واليوم ونحن في زمن “الكورونا” حيث تنفث سمومها في أصقاع الأرض كافة، ترى هل سيأتي من سيكتبه في رواية ذات يوم ليضاف إلى سجل التاريخ الأدبي سفراً جديداً من معاناة ربما هي الأكبر في تاريخ الأوبئة؟
الشاهر: بالوعي والمسؤولية
يقول الأديب عبد الله الشاهر: بداية، “نسأل الله عز وجل أن يرفع الكرب عنا وعن سائر شعوب الأرض جميعاً إنه على كل شيء قدير”، فالواقع اليوم نحن جميعاً مهددون بشبح “كورونا” الذي لا يرى بالعين المجردة، لذلك علينا أن نعمل العقل في التعامل لمواجهة هذا الفيروس وذلك باتباع أسس النظافة العامة والموصى بها من المؤسسات ذات العلاقة، وكذلك اتباع التعليمات التي صدرت من الحكومة لضمان السلامة العامة، وهذا إجراء احترازي يجب الالتزام به من قبل المواطنين بشكل عام.
ويضيف الشاهر: يتجلى دور الأدباء في مثل هذا الموضوع بالتوعية العامة والإرشاد والتركيز على الالتزام بما يصدر من تعليمات من الجهات المختصة بشكل عام.
والأمر الآخر والذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، أن وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهمت في تشتيت تفكير المواطنين عبر التوصيفات المتباينة للفيروس وأضراره وطرق الوقاية منه، وهذا بدوره يضر الناس، وكان الأجدى الالتزام بما يصدر من الجهات الرسمية المختصة بهذا الشأن وترك كل ما يشاع أو يكتب على الصفحات الزرقاء.
وثمة أمر ثالث هو وجوب التشديد على الالتزام بالمنازل لأنها المكان الأكثر تحصينا من هذا الفيروس الوافد، وخصوصا فيما يخص الأطفال وكبار السن، وما تطبيق الحظر في الأيام الأخيرة إلا وسيلة مهمة للحفاظ على صحة المواطن وسلامته، والالتزام به يعكس وعي المواطن ودوره في الحد من انتشار هذا الوباء الخطير.
ولا شك أن المتابعة لما يصدر من توجيهات والتعامل معها بروح المسؤولية والتعاون مع الجهات القائمة على العمل في مواجهة هذا الفيروس، تساهم في الحد من انتشاره والتخفيف ما أمكن من نتائجه الخطيرة، وكل ما نتمناه أن يجنبنا الله وشعبنا وجميع شعوب العالم شر هذا الفيروس، وأن تزول هذه الغمة في القريب العاجل.
الحوراني: لحظة تأمل
لا شك في أن الظروف الاستثنائية والصعبة يمكن أن تحفز العقل على الفعل والابتكار والإبداع، وليس هذا فحسب برأي الدكتور محمد الحوراني، بل إن الظروف التي نعيشها اليوم بسبب الوباء “الجائحة” الذي أحكم الإمساك بخناق العالم من أقصاه إلى أقصاه، يفرض علينا ضرورة العمل والبحث عن الطرق التي يمكننا من خلالها البحث والتأكيد على ضرورة التطور الاجتماعي والفكري في مواجهة ظروف التخلف والجهل، لعلنا نتجاوز ما نحن فيه من تخلف فكري واجتماعي، وبالتالي نتجاوز الأزمة التي يتعرض لها العالم.
ويضيف الحوراني: والمحور “المركز” المهم هو ما نجده بتركيز عالي المسؤولية في رواية “الوباء” للروائي السوري هاني الراهب، إذ ثمة رابط قوي لا يقبل الانفكاك بين العمل الأدبي الثقافي الفكري وبين الأزمات الكبيرة والأوبئة القاتلة.
ففي هذا ينبغي أن نعيد النظر بنتاجنا الثقافي والإبداعي.. وأن يكون لحظة تأمل في الكثير من الإصدارات والفعاليات والعلاقات التي تحكم المشهد الثقافي والإبداعي عموماً، وفي لحظات نحن بأمس الحاجة إلى الالتزام الواعي كي نخلق مشهداً ثقافياً وإبداعياً يليق ببلدنا، تماماً كما هو الحال بالنسبة للالتزام بالحجر والتزام البيوت خوفاً من أن يصيبنا الوباء وينتقل إلى من نحب، فتفسد حياتنا وينتهي جمال الكون وألقه.
ورب قائل يقول: إن الإبداع بحاجة إلى حرية، ونحن في هذه الأزمة العالمية أسرى منازلنا، ووضعنا الاقتصادي الصعب الذي يمنعنا من التفكير إلا بما يسد رمقنا ورمق أطفالنا.
وهنا يمكن القول: إن أهم الكتاب والمفكرين والمثقفين في العالم لم تتوفر لهم الحرية المطلقة، ولم يكونوا بوضع اقتصادي جيد، ولكنهم استطاعوا أن يحدثوا تأثيراً مهماً في العالم من خلال أفكارهم وعلومهم، وبالتالي يمكن للمشتغلين بالهم الثقافي والإبداعي والفكري، وأن لا تبقى الحركة الثقافية عبارة عن دوران في حلقة مفرغة، أو شبه مفرغة، كما أنه من الممكن العمل على خطط واستراتيجيات ثقافية تليق ببلدنا وتضحياته، استراتيجية من شأنها أن تجعلنا نتجاوز الكثير من السلبيات والهفوات في واقعنا الثقافي والمعرفي.
وما الذي يمنع في هذه الفترة الشعراء والأدباء الكبار من أن يتقدموا ببعض النصائح والتصويبات لبعض الشباب ممن يحبون العمل الإبداعي ويشتغلون عليه، لاسيما ما ينشر في الفضاء الأزرق وغيره؟ وهو ما يجب أن يكون بعيداً عن الأستذة والتعالي ليكون أكثر قبولاً عند الشباب.
وما الذي يمنع من إطلاق مسابقة في الشعر أو القصة أو الرواية لأفضل عمل يتحدث عن الإنسانية أو التكافل الاجتماعي في زمن الوباء؟ ثمة الكثير من الأفكار والأمور التي يمكن الاشتغال عليها ونحن في ظروف صعبة كهذه، وصحيح أن الوباء هذه المرة أتى معولماً ولم يميز بين غني وفقير وبين مسؤول ومسحوق، ولكن العالم في الوقت نفسه أصبح قرية صغيرة بفضل التقنيات الحديثة والتطور العلمي الذي أبعد الناس عن العزلة بمعناها الحقيقي.
عطا الله: فن إدارة الأزمات
وعن دور الأديب في تسليط الضوء على أهمية الوعي تقول الشاعرة هيلانة عطا الله: بما أن الشاعر هو ابن لمجتمعه، شأنه في ذلك شأن أبناء هذا المجتمع يتفاعل وينفعل بأي حدث من الأحداث، إلا أن الشاعر يكون ذا قدرة أكبر على التعبير عما يدور بين أفراد هذا المجتمع، وفي بعض الحالات التي تتجلى فيه روحه ورؤياه ومخزونه الثقافي وبصيرته النفاذة، فإنه يكون لسان حال الآخرين.
وربما في الوباء الذي يجتاح كوكبنا المرهق خير مثال، حيث وقف الشعراء حياله مذهولين مرة ومتفكرين أخرى، وجنح البعض منهم إلى العمق في الرؤية، فراحوا يطلقون أغوار روحهم بمعان تمس الروح الإنسانية، وربما أيضاً جنحوا إلى الميتافيزيقيا “ما وراء الطبيعة”.
كما راح البعض منهم بتوجههم التنويري يبثون الأمل بالخلاص، ما ينعكس إيجاباً على حياة الناس، ونرى البعض الآخر يستخلصون العبر من خلال هذه الأزمة التي تشكل خطراً ساحقاً ماحقاً فيدعون إلى التكاتف بين أبناء المجتمع من جهة، وبين المؤسسات المعنية في أوطانهم من جهة أخرى، وبهذا يؤدون دوراً مهماً في تنظيم الحراك الاجتماعي في بلدانهم.
وقد جسد الشاعر السوري هذه الحالة في أرقى تجلياتها، تقول: من خلال قراءاتي لنتاجات الشعراء في وطننا الحبيب لمست منهم هذا التوجه التنويري، وخصوصاً أننا كنا على مدار سنوات طويلة في غمار حرب علمتنا كيف نواجه الصعاب وكيف ندير أزماتنا.
وفي الختام تقول: طالما أن الوعي والعمل بعيداً عن الفوضى والانفعال الغوغائي هما المنظمان والموجهان لنا فإننا حيال “فايروس كورونا” مستمرون في هذا التوجه ونتكل على الله، وندعو بالسلامة والصحة والأمان لشعبنا ولشعوب الأرض قاطبة.