“لا تخبرنَّ أحداً بذلك، ولكني أحب الحياة كثيراً”..
اعترافٌ همس به إميل سيوران في إحدى الليالي لأحد اصدقائه الشعراء.
المتشائم.. العدمي المحبب.. كان يطمح إلى “خواء البلاهة”.
ليست كلماته سوى تعبير عن حال الحيرة والضياع التي تلاحق الإنسان فينا.. تتماوج داخله ضمن شتى أنواع التناقضات التي يحيا والتي لربما لا يعيها.
ثنائية الشيء وضده، تتفاعل وتتصارع إلى جنب مع بعضها كأن تخلق نوعاً من جدلٍ لا ينتهي..
لكن ما الذي جعل سيوران يخفي اعترافه بحب الحياة وكأنه يرتكب خطيئة يخاف المجاهرة بها..؟!
هل أراد أن يكون فارغاً من ذلك الحب..؟؟
هل أراد أن يتحرر من الحياة بإنكار حبها..؟!
ألا يؤدي إنكار الشيء وإخفاؤه إلى تفجّره داخلنا أكثر؟؟
كأن يتمدد ويتكاثر بشكل لا نهائي كلّما تمّ تجاهله أو إنكاره.
ربما رأى البعض أن اعترافنا بأمرٍ ما يجعله يتأكد داخلنا ويستقر أكثر..
وبين هذا الرأي وذاك لا سبيل إلى تجاهل حقيقة حبّنا لأي شخص أو شيء.. أكان لحظياً أم مستقراً..
فعندما نحبّ، نرغب الامتلاء بمن وبما نحبّ.. كنوع من اختبار مشاعرنا وتحسس حقيقة رغباتنا.. فهل نرغب بالامتلاء به أكثر متحققين من جمالية اقترابنا وخيارنا.. أم لنتحرر منه عبر وسيلة الإشباع.. وصولاً إلى التخمة..
هل تصل مشاعرنا ورغباتنا حدّ الإشباع والتخمة..؟!
ألا يعني وصولها لهذا الحد أنها كانت زائفة..؟؟
لعلها رغبة التخفّف من كل شيء تلك التي أراد مجاراتها سيوران حين همس بحبه للحياة سرّاً.. رغبة التخفف وصولاً للبلاهة وخوائها..
وكأنما نعيد اكتشاف الأشياء مرة أخرى عندما نفرغ منها… وتصبح محصلتها داخلنا مساوية للصفر…
فهل نمتلك حقيقةً رفاهية الفراغ والتخفّف من كل شيء..؟؟
هل يمكننا مجاراة سيوران في وصيته لنا: “أحبب تعاستك واكره سعادتك. اخلط كل شيء، اخبصهم جميعاً. كن ندفة ثلج ترقص في الهواء، زهرة تطفو على التيار. تحلّى بالشجاعة عندما لا تحتاجها، وكن جباناً حين يتوجب عليك أن تكون شجاعاً. من يدري لعلك تظل رابحاً… أهناك شيء يُربح في هذا العالم..؟”
رؤية- لميس علي