جدران الفصل العنصرية أو (العزل العنصري) إحدى أهم ممارسات المستعمرين، التي باتت في عصرنا الحديث عنواناً للكيان الصهيوني الذي أراد من وراء بناء جداره العنصري تحقيق التوسع الاستيطاني ومحاولة كسر إرادة الفلسطينيين وتقييد حريتهم في الحركة وخنق اقتصادهم، وها هو النظام التركي اليوم يحاول استنساخ تجربة هذا الكيان العنصري بعدة مناطق في شمال سورية عله يحقق أطماعه الاستعمارية بالطريقة ذاتها.
فالصهاينة حاولوا، منذ بدأ شارون ببناء جدار الفصل العنصري، إحداث تغييرات جذرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة على المستويين الجغرافي والديمغرافي، أولها تقطيع أوصال الضفة الغربية المحتلة، وعزلها عن القدس المحتلة، كي يكون الجدار في نهاية المطاف جسر عبور إلى وأد الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، وفي مقدمتها طي حق العودة وشطب قضية القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة.
ما يفعله النظام التركي اليوم في محيط مدينة رأس العين بريف الحسكة وشروعه في بناء جدار عازل يحاكي المخطط الصهيوني بذات الدرجة، وإن كان على نطاق أضيق، فهو يحاول تقطيع أوصال المنطقة عن بعضها بعضاً بذرائع محاربة الإرهاب وتحقيق الأمن القومي التركي من الخطر الكردي المزعوم الذي يؤرقه.
وهي ليست خطوة منفردة أو وحيدة قام بها هذا النظام الاستعماري بل حلقة جديدة ضمن مسلسل الجدران العازلة، فقد سبق أن أقام جداراً إسمنتياً العام الماضي في محيط مدينة عفرين بريف حلب الشمالي لعزلها عن محيطها الجغرافي الطبيعي، وكانت أهدافه هي ذاتها، أي التغيير الديمغرافي والجغرافي.
إذاً هو المضمون الصهيوني ذاته، والهدف عينه، وحتى طريقة البناء، أي بناء الكتل الإسمنتية التي تفصل بين مكونات الشعب الواحد بحجج وذرائع واهية، ناهيك عن محاولة النظام التركي تكريس سياساته العدوانية ومحاولة فرض الأمر الواقع في المناطق التي احتلها مع مرتزقته من التنظيمات الإرهابية تمهيداً للشروع في توطين عناصرها وإحداث تغييرات ديمغرافية تحقق له أطماعه.
ومع هذه الخطوة العدوانية الجديدة يظهر للعالم أجمع أن نظام أردوغان مستمر في سياساته الاستعمارية على الأراضي السورية بطرق شتى، وأنه مازال يراوغ وينقلب على تعهداته للضامن الروسي، وأن سياساته تستنسخ أساليب العدوان الصهيوني، ولا تقتصر على بناء الجدران العازلة بل تدمر القرى وتهجر أهلها من أجل التغيير الديمغرافي، وتدعم الإرهاب لتحقيق أطماع هذا النظام، لكن السوريين وجيشهم الوطني لن يسمحوا له ولا لمشغله الأميركي معه بتحقيق أطماعهما وتنفيذ أجنداتهما المشبوهة مهما قدموا من تضحيات.
من نبض الحدث -بقلم: مدير التحرير أحمد حمادة