ثورة أون لاين – هفاف ميهوب:
“سؤالٌ أجاب عليه كتاب، وثّقت فيه الكاتبة والشاعرة الأمريكية – الافريقية “مايا أنجلو” ما عاشته في الولايات المتحدة العنصرية.. ماعاشه أيضاً، كلّ السود الذين عانوا وإياها من أوبئة التفرقة والتمييز والاستعباد والاضطهادات العرقية.
نعم، إنه جواب كتابها الروائي – الشعري: “أعرفُ لماذا يغرّد الطائر الحبيس”. الجواب الذي فضحت فيه الواقع الذي عاشته، وعرّت حقيقته، بعد أن شاهدت مافيه من ادّعاءات كاذبة في مناداتها بالحرية والديمقراطية والعدل الإنساني.. فضحت هذا الواقع ورفضت أن يطحنها، فجاهدت للانعتاق والتحليق تنشد رغم ألمها:
“لا تنتحبي أبداً، حتى لا يعرف المتوحش أن ثمة ضحية محتملة في الجوار.. لا يوجد عذابٌ أكبر من أن تكتم بداخلك قصة مؤلمة لا يمكنك البوح بها.. الشيء الأساسي في حياة الإنسان أن يحاول الضحك بنفس القدر الذي يبكي به.. ربما سنواجه الكثير من الهزائم، لكن علينا ألا نُهزم”..
أنشدت ذلك، بعد أن عادت إلى ذاكرتها ونبشت منها ما عاشته من عذابات عجزت آلامها عن جعل الأمل يغرب عنها. العذابات التي ازدحمت في داخلها فاضطرّتها لتفريغها وتخليص روحها من تراكماتها.
إنه ماكان سبباً في تسميتها “شاعرة أميركا السوداء”.. الشاعرة التي كانت تقف دوماً في شاهق أحلامها، تحلق بعيداً عن الواقع الذي فرض عليها العزلة، بعد أن تلوث فيه حتى الهواء.
قررت العيش بعيداً عن استبداد أميركا وانتهاكاتها، وكان أن اختارت الترحال لسنواتٍ طويلة عادت بعدها، وقررت تجديد العزلة في مجتمع، رأته يحمل كل الأمراض التي تفتك بالإنسان، وترديه صريع فظاعتها وأنانيتها وويلاتها.
بعد العزلة إبداعاً وصمتاً، أخرجت مكنونات حطامها جرأة وشعراً. لملمت أشلاء ماضيها وانكساراته، وشكّلت صوراً لونتها بحرائق الواقع الأمريكي وجرائم عنصريته.
صورٌ زادت من شهرتها ومكانتها، ولدى كل العالم الذي قرأها فأنصت لسيرتها: “أعرف لماذا يغرد الطائر الحبيس” الديوان الذي هو جزء من ستة أجزاء حملت سيرتها الذاتية، وبدءا من اللحظة التي ولدت فيها كأنثى سوداء، وصولاً إلى نشأتها والأحلام التي أضاءتها بشهرتها وكلماتها الثائرة على أميركا الاستبدادية:
“لربما ستدونني في التاريخ/ بأكاذيبك الملتوية والخبيثة/ وقد تطأني وكأني التراب/ بيد أني كالغبار سأثور.. تماماً كما الأقمار والشموس/ وبحتمية المدِّ والجزر/..
“قد تطلق النار عليَّ بكلماتك/ وقد تجرحني بنظراتك، وقد تقتلني بكراهيتك.. مع ذلك سأرتفع مثل الهواء/ ومن بين أكواخ العار التاريخية/ ومن ماضٍ متجذر في الألم سأنهض/ فأنا محيط أسود عاصف وشاسع/ أنا حلمُ العبد وأمله/ وسأثور…/.