لملم كل منا حقائب روحه، ملأها بأحزانه وأفراحه، وهموم وطنه واليوم يملؤها بما غزا حياته من جفاء، يضم أحلامه إلى صدره يشد عليها بكلتا يديه خوفاً من هربها نحو المجهول الذي ينتظره، وفيما سيأتي في ظل حصار بات مَرَسَاً ثخيناً يلف عنقه. هل يتجاهل ما يحدث بثقة أم بخجل.. هل ينظر إلى الغد، ينتظر فرصة هامة تهديها له الحياة، رغم قسوتها عليه بعد حرب نالت من عمره وعشقه وحبه، متفانياً دفاعاً عن وطن، هو الأغلى في حياته حتى من الولد، الذي قدمه قرباناً لحريته وسيادته.
هناك دوماً غد ننتظره، حدثونا عن سنوات (الجوع والميرة) في عشرينيات القرن الماضي، والبلاد تحت ظل الاحتلال العثماني، ثم الفرنسي، انتهت تلك الأيام والحياة ظلت مستمرة لم تنهك قواهم ولم تحن ظهورهم وعمروها من جديد.
لا يمكن للمرء الندم على أيام مضت، مما ذكره له الأقدمون، إلا إن لم يستطع أن يأخذ منها ما يمنحه لقادمات الأيام من فكره وعقله ووعيه وجهده، إياك أن تظن أن الغد لن يأتي، فكما أتى الأمس على أنه الغد، سيأتي الغد ليصبح أمساً، فاملأها جميعاً بعطائك.
كي لا نشيخ دعونا نحافظ على من حولنا، نفهمهم ويفهموننا، نعري أرواحنا أمامهم لنكون أهلاً لتحمل أيام قاسية، يظل فيها الوطن صامداً، علينا أن نكون جميعاً مهمين لبعضنا البعض، لنتجاوز محنة قيصر، لتصبح حلم عدو لا ولن يصبح حقيقة أبداً.
ليس لنا أن نعتزل الحياة لأنها لم تعد على هوانا، مررنا بسنوات عاشها أكثر من جيل خلال ما يقارب الخمسين عاماً، من الاستقرار والرفاء النفسي، والاجتماعي كانت قبل بداياتها متأزمة، حتى غيرناها معاً، بنينا وعمرنا زرعنا صنعنا فنعمنا برخائها.
ستمر القادمات من الأيام بسرعة، إن صممنا على الحياة، وصناعة المستقبل ليست بالشيء المستحيل، فأمام المرء لا مستحيل عندما تكون الإرادة حية.. بالذات عندما نضع في ذهننا أنه علينا أن نبني رخاءً واستقراراً بعد السنين العاتيات التي مرت علينا، لينعم طلائع أبنائنا وأحفادنا بما نعمنا به في مقتبل شبابنا ولامسه بعض أبنائنا.
لنجعل من أحلامنا واقعاً بفعل الإرادة، فما أطال النوم عمراً ولا قصر في الأعمار طول ساعات العمل. عندما يتوقف الآخرون علينا متابعة السير ودفعهم للأمام كي لا يعيقوا حرية حركتنا، للتأقلم مع الواقع، وبناء مستقبلٍ أفضل للأحفاد مع الأولاد.
عندما يتثاءب الناعسون تزداد عدوى التثاؤب بيننا، فعلينا غسل وجوهنا بالماء البارد لنصحو، وننعش النفس والعقل والذاكرة، فنتجاوز المحن كما تجاوزها من سبقنا، من بنى لنا حياة حققنا فيها جلَّ أحلامنا، لن تعيبَنا الملابس البسيطة، ولن تضيرنا بدائل أشاهي الطعام بما يوازيه مما نصنعه في مطبخ البيت النظيف اللذيذ.
سنبرهن للعالم أجمع أننا الشعب الذي صبر، مقتلعاً أنياب ظالميه، ولم يعر لأصفادهم اهتماماً مهما حاولوا تزيينها ببريق الشعارات الكاذبة بأن حصارهم لأجلنا وللضغط على حكامنا لكننا الأشد والأقوى، حملة المرآة التي تكشف زيف وجوههم وأفعالهم.
لن نشيخ تحت وطأة ضيمهم، سيظل شعرنا أسود وظهرنا منتصباً، وشوارب أبنائنا يقف عليها الصقر، سنعلم صغار أبنائنا وأحفادنا أن في الدنيا عسر ويسر، والأصل في الثبات والصبر، لحين تجاوز الصعاب. السوري لا تعرف الشيخوخة إليه سبيلا.
إضاءات -شهناز صبحي فاكوش