الثورة أون لاين- آنا عزيز الخضر:
ضمن أجواء تشابكت عبرها التقنيات الفنية، من ديكور وإضاءة ثم رقص وحركة وحوار نسج عوالمه الخاصة التي لم نكن لنراها لوﻻ وجود أكاديميين مبدعين وفنانين. ضمن هذه الأجواء قدم هؤلاء الأكاديميون خلاصة خبرتهم وإبداعهم الذي تألق في العرض البصري “المنديل” وعلى مسرح دار الأوبرا بدمشق.
من هنا، ولأن العرض الذي هو من تأليف “عبير أحمد عودة” وإخراج “بسام حميدي” لفت النظر إلى الكتابة لهذا الشكل الفني وتفاصيله، كان علينا سؤال الكاتبة “عودة” عن الخصوصية الإبداعية لهذه الآلية الدقيقة والجديدة في المشهدية الفنية السورية، ليكون ماقالته عن تفاصيل ودقائق عالم النص البصري للمسرح الراقص:
“بعد تخرجي من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، قسم التقنيات واختصاص إضاءة، رأيت أنه من الواجب عليَّ أن أسعى لتقديم نقلة نوعية بما يخص المجال التقني في عالم المسرح، وبالأخص أننا الآن في عصر التقنية البصرية في العالم أجمع.
على الرغم من علمي بصعوبة تقديم هذا النوع من العروض المسرحية في سورية نظراً لعدة عوامل منها التكاليف الباهظة، وعدم وجود أجهزة متطورة ترتكز عليها هذه العروض، إلا أن إصراري على تحويل الحلم إلى حقيقة خلق مكاناً لهذه العروض على خشبة دار الأوبرا”.
في “المنديل” ومع الكاتبة “عودة” التي تعتبر أول فتاة في سورية تعمل “فوكس بولر” وهو اختصاص مرتبط بالكاميرا في الدراما التلفزيونية والسينما. إذاً.. اكتملت الدائرة المعرفية لخلق تعاون مشترك وخلَّاق للدخول في هذا الرهان وصنع وإنجاح العرض المسرحي البصري الراقص على أرض الواقع، وهكذا إلى أن أبصر هذا الفن الجديد والواعد النور أخيراً.
لكن، ماذا عن خصوصية وصعوبة الكتابة لمثل هكذا نصوص بصرية تتداخل في صياغتها التقنيات المسرحية كأبطال للعرض؟.. سؤال تجيب عنه الكاتبة بقولها:
“كتابة سيناريو العرض البصري أمر معقد، فتقنية الغرافيك يرتكز عليها العرض البصري بشكل أساسي، عدا عن أن مفردات وأدوات هذه العروض مختلفة بالمطلق عن النصوص المسرحية الأخرى، والكاتب هنا مقيد كلياً بما يمكن أن تقدمه التقنية بحيث لا يؤثر ذلك على وتيرة الخط الدرامي للنص، ما يتسبب بهبوط إيقاع العمل الفني، بالإضافة إلى ضرورة الانتباه الكبير لباقي العناصر الرديفة، من بناء شخصيات وذروة وتشويق وغير ذلك، فالكاتب هنا عليه التشاور مع المخرج عدة مرات، وذلك بعد أن يكون قد جهز مجموعة من الاحتمالات الدرامية والصورية للمشهد إلى أن يتم اختيار إحداها، بما يتفق مع إمكانات الجهاز الذي سيقدم الشكل النهائي للنص.
ما يؤكد نجاح العرض، فالانبهار والدهشة هما العمود الفقري في هذا النوع من الأعمال الفنية، وﻻ بد من التنويه إلى أن كل قطعة من الديكور على المسرح، كان لها رمزيتها المذكورة في النص. على سبيل المثال، تم اختيار لوحة “العشاق” العالمية للرسام البلجيكي “رينيه ماغريت” كمقولة للعرض في منزل الزوجين فاقدي البصر، أما الساعة فكانت تتغير سرعة عقاربها بالتوافق مع مشاعر الزوجين من فرح أو حزن وغيرها، وبذلك نرى أن كل عنصر من عناصر الديكور كان قد طُرحَ بشكل دقيق وممنهج ضمن قوالب متنوعة وساحرة.
وعن كيفيه تعامل الكاتب مع نصٍّ هو على درجة عالية من الإنسانية، ثم الطرح لفكرة غنية ترتبط بالبصر والبصيرة ، عن كيفية ذلك تجيب:
“اختار المخرج فكرة إنسانية لعرض “المنديل” لذلك حرصت على اختراق مشاعر المشاهد أثناء كتابة السيناريو ليلامس روحه ويؤجج مشاعره، فالعرض يتكلم عن البصر والبصيرة، وإيصال الرسالة الإنسانية كانت مسؤولية كبيرة على عاتقي، فلا بدَّ لروح القلم أن تنطق بها من خلال الصورة الشفافة والخيال الحر الخلاق بشكل رقيق ومبهر وراقي.
أخيراً تقول، ولدى سؤالنا لها عما إذا كانت تنوي الاستمرار بهذه الكتابة للعروض البصرية:
“أعتبر مجرد خوض هذه التجربة بحد ذاتها هو نجاح، ومرة عن مرة سيزداد النضج فيها والقدرة على تطويرها حتى وإن لم تكن الإمكانات المتوافرة ضخمة، لكن بعد فترة من الزمن سيزداد الوعي باتجاه “المسرح البصري” وستكبر دائرة المجتمع الذي يرغب في استكمال هذا المشروع، على أمل أن نصبح أهلاً لمواكبة التطور الهائل الذي يدور في البلدان الأكثر تقدماً في هذا النوع من العروض الفنية