ينشغل العالم بتبعات (انفجار، تفجير) مرفأ بيروت، وتتعدد النظريات والفرضيات والتصورات بشأنه بين باحث عن الحقيقة لمعرفة ما جرى، وبين معتد يبحث عن خيالات تستهدف إسقاط بنية الدولة اللبنانية وصولاً إلى محاولة تحقيق الهدف الأبعد وهو القضاء على حزب الله بعدما فقد المعتدون كل الحيل والأساليب والإجراءات لإضعافه أو القضاء عليه أو إضعاف قاعدته المقاومة أو بيئته الحاضنة الشعبية.
وفي ظل هذا الانشغال العالمي والإقليمي بحدث الخراب المادي والبنيوي والاجتماعي في بيروت، يطالعنا دونالد ترامب بأنباء خطوة تطبيعية بين دولة عربية والكيان الصهيوني في خطوة وصفها الرئيس الأميركي بالشجاعة، فيما الحقيقة أن تلك الخطوة المتوقعة لا تخدم إلا البرنامج السياسي لبنيامين نتنياهو في الانتخابات القادمة للكنيست الصهيوني.
على الرغم من أن هذه الخطوة كانت متوقعة، فقد سبق الإعلان عن زيارات لوفود رسمية رياضية وتربوية فضلاً عن تسريبات عن لقاءات سرية لم يفصح عن شخصياتها لأكثر من عاصمة عربية، إلا أن التبريرات التي يروج لها الاتفاق تدمي قلوب العرب وأحرار العالم لكون الاتفاق يشكل الخلاص والمخرج لصراع متواصل منذ ثمانية عقود؛ ولعل الأمرالمضحك أن يتضمن البيان التفضيل على الجانب الفلسطيني، وبالتالي من خلفه من يدعم قضية فلسطين (محور المقاومة) وإخراجهم من مأزق تاريخي أوجده ترامب بعبقريته المتفتحة.
فقد تضمن البيان (سيعمل هذا الاختراق الدبلوماسي التاريخي على تعزيز السلام في منطقة الشرق الأوسط وهو شهادة على الدبلوماسية الجريئة لرسم مسار جديد من شأنه إطلاق الإمكانات العظيمة في المنطقة، وستستفيد بشكل متبادل من الإنجاز التاريخي اليوم. في إشارة لتوقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بالاستثمار، والسياحة، والرحلات المباشرة، والأمن، والاتصالات، والتكنولوجيا، والطاقة، والرعاية الصحية، والثقافة، والبيئة، وإنشاء سفارات متبادلة، ومجالات أخرى ذات المنفعة المتبادلة.
الملفت في الأمر والواضح أن جميع الحكومات التي تسعى لإقامة علاقات تطبيعية كاملة مع الكيان الصهيوني لم تعد بحاجة لتبريرات من أي نوع ، لكنها تخشى شعوبها فقط وتخشى على كراسيها نتيجة أي خلل أمني ، فتذهب إلى واشنطن من خلال البوابة الصهيونية اعتقاداً منها أن ذلك هو المخرج وتقدم التبريرات بأنها تساعد الفلسطينين وتمنع قرار نتنياهو ضم الضفة والأغوار والذي هو جزء من خطة ترامب للسلام المزعوم.
والمؤكد أن هذه المقدمة ستتبعها خطوات علنية لاحقة تمهد لها محاولات كاذبة لشخصيات ساقطة ترحب بالتطبيع وتحاول الإيحاء بأنه مطلب شعبي، وذلك كله خدمة للمشروع الصهيوني البغيض بعدما تراءى لمؤيديه أنه منتصر، فيما الحقيقة خلاف ذلك بالمطلق؛ وإن هذا المشروع يسارع إلى نهايته أكثر من أي وقت مضى، وإن الاعتقاد أن (انفجار أو تفجير) مرفأ بيروت يشكل عاملاً مؤيداً للتطبيع هو موطن الخطأ في التقدير والحساب، لتبقى الحقيقة الراسخة أن الاتفاقات مع الحكومات التطبيعية لا تمثل إرادة الشعب العربي أبداً مهما فتحت قنوات التطبيع مشاهدها على لوحات كاذبة تحاول سرقة العقل العربي وجره إلى جانب الصهاينة.
معاً على الطريق – مصطفى المقداد