تطبيع أم خيانة

ما أقدمت عليه بعض الأنظمة العربية من إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني لا يمكن وصفه بالتطبيع، لأن القصة مع إسرائيل أكبر من أن توصف بالتطبيع لأسباب عديدة منها أن الصهاينة قد احتلوا أرضاً لدولة عربية هي فلسطين، ولم يقفوا عند حدود ذلك بل احتلوا أراضي عربية أخرى عبر الحروب والعدوان تعود لسورية والأردن ولبنان ومصر، وما زالوا يطمعون بالمزيد، الأمر الآخر أنهم اقتلعوا الشعب الفلسطيني من أرضه وحولوه إلى مجموعة لاجئين توزعوا في دول العالم دون امتلاكهم لحقوق المواطن الكاملة، فعاشوا حالة من اللا استقرار وتعرضوا لكل أشكال الاضطهاد والعنف والقتل والإبادة بهدف تذويبهم وإنهاء وجودهم لكي لا يعودوا إلى وطنهم الأصلي فلسطين، ومع ذلك كله كانوا أكثر تمسكاً بوطنهم ودفاعاً عنه وتضحية في سبيله أملاً بالعودة اليه، وفي سبيل استعادة فلسطين قاتلت جيوش عربية وقدمت عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من الجرحى، وتنادى الكثير من المناضلين العرب وغيرهم دفاعاً عن فلسطين وشعبها، واستنزفت طاقات هائلة من موارد دول عربية لجهة مواجهة الخطر الصهيوني واستعادة أراضي عربية محتلة لأن القضية الفلسطينية هي قضية عربية ومركزية في الحسابات الاستراتيجية بقراءة أن الكيان الصهيوني جزء من مشروع استعماري غربي يستهدف المنطقة بكاملها بل بما فيها المشروع القومي العربي على وجه التحديد .

لقد كان حلم الحركة الصهيونية منذ نشأتها نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن تحقيق هدفين أساسيين أولهما: إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وقد تحقق ذلك بدعم واحتضان من الغرب الاستعماري الذي وجد في فلسطين فرصة وحلاً للخلاص مما سمي المسألة اليهودية التي نشأت في أوروبا بسبب رفض المجتمعات الغربية لليهود كثقافة وكذلك عدم انسجامهم وتعايشهم مع المجتمعات الغربية وتحولهم إلى غيتوات ثقافية واثنيه في دول على حامل قومي وفكرة المواطنة بعد معاهدة وتسفاليا وتكريس فكرة أن الشعب مصدر السلطة والفصل بين الدين والدولة وتحرير المجتمعات من سلطة الكنيسة الدنيوية وعلمنة الدولة أما الهدف الآخر الذي سعت اليه الحركة الصهيونية والذي لا يقل أهمية عن الهدف الأول فهو الاعتراف العربي بإسرائيل كيانا ودولة ما يمنحها شرعية أمام المجتمع الدولي ويكرس مقولة الحركة الصهيونية أن فلسطين أرض بلا شعب واليهود شعب بلا أرض وهنا مكمن الخطورة والمقتل فيما سمي كذبا تطبيعا وهو في حقيقة الأمر اعتراف للسارق بملكية المسروق ونفي وجود وشرعية المالك الأصلي من هنا كانت ورقة عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني أهم ورقة امتلكها ويمتلكها العرب عبر تاريخ الصراع وحتى الآن وهاهم البعض يفرطون بها اليوم دونما أي مقابل أو منطق أو سبب مقنع علما أن الكيان الصهيوني في عدوانه عام 1967 واستيلائه على أراض عربية من سورية ومصر والأردن كان يعمل على أن تكون إعادتها في أي تسوية سياسية ثمناً للاعتراف بشرعيته لذلك كان يسميها الأراضي الممسوكة وليس المحتلة وقد وردت هذه العبارة في حيثيات ما سمي صفقة القرن.

إن ما سمي التطبيع مع العدو الصهيوني يمنحه عدة أشياء وينتزع من العرب والفلسطينيين حقوقاً كثيرة، منها أنه كيان شرعي وليس محتلاً او استيطانياً، وهذا يعود بنا إلى مضمون وعد بلفور الذي لا يشير إلى الفلسطينيين كشعب وإنما طوائف دينية غير يهودية يجب منحها حق ممارسة شعائرها واحترام حقوقها المدنية، وهذا يكرس فكرة الدولة اليهودية، وكما أشرنا آنفاً أن فلسطين أرض بلا شعب واليهود شعب بلا أرض. والنقطة الأخرى أن الاعتراف بإسرائيل يعني أننا نحن العرب وكذلك الفلسطينيون كنا على خطأ في مواجهتنا للمشروع الصهيوني بل محتلون ومغتصبون لأرض هي لليهود.. وهذا عدوان على التاريخ والهوية الحضارية الثقافية لفلسطين، التي هي جزء لا يتجزأ من بلاد الشام والجغرافية العربية منذ آلاف السنين ناهيك عن أن فلسطين والقدس عاصمتها التاريخية هي الوطن الروحي لمئات الملايين من المؤمنين المسلمين والمسيحيين، وهذا هو نداء التاريخ وكتابه. ولعل ما سمي تطبيعاً إن استكملت دائرته – وهذا محال باعتقادنا – سيدفع بالصهاينة إلى مطالبة العرب والفلسطينيين الذين قاتلوهم منذ بداية الصراع معهم بالتعويض عما فقدوه من قتلى وجرحى وخسائر في حروبهم معهم بوصفهم (معتدين) على كيان شرعي، مع الإشارة إلى انه في حيثيات صفقة القرن إشارة مهمة وهي مطالبة إسرائيل للدول العربية بتعويضات تزيد على خمسمئة مليار دولار عن أملاك اليهود في الدول العربية إضافة إلى تحملها (عبء) إقامتهم فيها خلال سبعين عاماً ؟

هذه بعض ملامح خطورة ما أقدمت عليه بعض الحكومات بإرادة أميركية لا تعكس أبداً إرادة شعوبها الذين هم جزء لا يتجزأ من أبناء الأمة العربية ويحملون ذات المشاعر تجاه فلسطين ويستوطن في وعيهم الجمعي صورة إسرائيل العدو المغتصب مهما حاول الإعلام المضلل أن يقدم صورة كاذبة عن حقيقة مشاعر أبناء الأمة العربية الذين عانوا ويعانون من حكام لا يستمدون شرعيتهم من شعوبهم بل من عمالتهم لقوى الخارج، وما يستدعيه ذلك من استلاب لإرادتهم السياسية ودورهم الوظيفي في خدمة قوى الخارج على حساب المصالح الوطنية والأخلاقية لشعوبهم وأوطانهم .

إضاءات – د. خلف المفتاح

 

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها