الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد
هي الطفولة التي باتت تتسلل هاربة بعد أن أهرمتها الحرب وأثقلت كاهلها ودفعتها لتلعب دوراً ليس لها ، أجبرتها الظروف على الانخراط في خضم الحياة بكل ما فيها من قسوة وألم وقهر ، إنها حكاية الطفل (أحمد) الذي ربما نسي كم يبلغ من العمر لأن حجم المسؤوليات التي ألقيت على كاهله جعلته يتحمل أعباء تكبره بسنوات وسنوات ، حُرم من طفولته ليعيشها حلماً فقط ، تظهر في عينيه لمعة البراءة مشفوعة ببريق من طموح ، يحاول في خلسة من الزمن سرقة الفرح والابتسامة وإن وهماً آملاً بغدٍ أفضل يحمل معه تحقيق أحلامه الصغيرة .
أحمد هو بطل الفيلم القصير (الرجل الصغير) سيناريو وإخراج تاتيانا أبو عسلي ، تمثيل : الطفل هاشم خضور ، تاتيانا أبو عسلي ، أحمد عيد ، فايز أبو الشكر ، يزن مرتجى ، منيار الحيناني ، إنتاج المؤسسة العامة للسينما ضمن منح دعم سينما الشباب ، ويتناول الفيلم الذي تدور أحداثه عام 2014 حكاية ذاك الطفل الفقير الذي فقد الأب فأخذ مكانه ضمن الأسرة ليصبح الرجل الذي كبر قبل أوانه ، وينطلق الفيلم من قطعة معدنية تسقط من الطفل على الأرض فيلتقطها ويتابع مشواره ، هذه الـ (الخمس وعشرون ليرة) هي شرارة الحلم لديه وسبب تمسكه بالأمل ، كان كل مرة يضعها في حصالته التي يخبئها بحرص رغم ضحالة ما فيها ، ونتابع ضمن الأحداث اليومية مسيرته وكيف يعمل بجد محاولاً جني المال كما يساعد والدته في عملها ويقوم بمهام رجل البيت ، وقد فضلت المخرجة لإظهار طبيعة حياته تجنب طرح فكرة أنه خارج المدرسة بشكل مباشر فقدمتها بدلالاتها ، لذلك لم نره يمسك كتاباً مدرسياً رغم أن الأجواء باردة أي إن الأحداث تدور وقت المدرسة ، مما يشي بطريقة غير مباشرة أنه تسرّب من المدرسة كي يتفرغ لتلبية متطلبات العائلة .
قُدِم خطان ضمن شخصية الطفل أحمد ، الخط الأول مجريات حياته اليومية التي حوّلته إلى رجل صغير ، والخط الثاني ما يعتلج داخله من مشاعر وأحاسيس وطموحات وكيف عبّر عنها بعفوية تحمل الألم والغصة ، فكلما صغُر الحلم كلما صغُرت مساحة الطفولة داخله ، والسؤال الأقسى ، ماذا لو خسر حلمه ؟.. وفي النهاية يضطر أن يأخذ قراره مُضحياً بأحلامه ليكمل ثمن دواء أخته فيكسر حصالته ويخرج منها كل ما خبأه فيها من (فئة الخمس وعشرين ليرة) ليشتري الدواء ، في حين أن حلمه كان أصلاً مجرد سترة دأب على رؤيتها من خلف زجاج متجر ألبسة رغب بجمع المال لشرائها.
في المرحلة الأولى من الفيلم لاحقت الكاميرا يوميات الطفل التي تبدّت من خلال تأمين المازوت وبيع الخبز وجلب الحاجيات للمنزل .. في محاولة لرصد واقع حياة قد يمر بها العديد من الأطفال اليوم ، وما تحمل بين طياتها من براءة وقهر ، وفي مرحلة لاحقة تابعت الكاميرا انفعالات خجولة ومتناقضة تنوس بين لحظات فرح وألم ، وفي مكان آخر رصدت أخلاقياته وكيفية تعاطيه مع التحديات والمغريات المختلفة ، كما ألقت الضوء على نظرة المجتمع لطفل يعيش على الهامش يحاول أن يحفر بأظافره الصخر ، وفي ذلك كله اعتمدت المخرجة على البساطة من منطلق (السهل الممتنع) في تقديم رؤاها وهواجسها عبر تجربة حملت عمقها ، كما استطاعت تجاوز تحد إداره (ممثل طفل) استطاع في أماكن كثيرة إظهار تعبيره الداخلي ضمن التحولات التي مر بها على صعيد صراعه الداخلي في الدفاع عن حلمه