الثورة أون لاين – هفاف ميهوب:
“يا للفظاعة.. المرءُ لا يستطيع أن يصف الوضع بسوءٍ أكبر مما هو عليه في الحقيقة… أما أفظع الأشياء التي لا يمكن للمرءِ أن يتخيلها، فهي ذاتها التي يراها: الجثث المنتشرة في كلّ مكان، إضافة إلى العتاد الحربي الذي أصبح طعاماً للنيران”.
إنه ما رآه الكاتب والصحفي الأميركي “كريستيان ميلر” في حربٍ كانت الضريبة الأكبر التي دُفعت فيها هي “ضريبة الدم”.. الكتاب الذي وثّق فيه، وبالتواريخ والأمكنة والأحداث والأسماء، ما جعل منه مرجعاً تاريخياً وسياسياً للسيناريو التفصيلي للحرب التي شُنت على العراق.. أيضاً، لفضائح السياسة الأميركية، وسعيها للضغط على شعوب المنطقة وحكوماتها، ولاستلاب وتجيير قرارات مجلس الأمن، لصالح المخططات الإمبريالية.
وثّق ذلك، مبيناً مقدار الخديعة الكبيرة التي دفع الدم العراقي ثمنها.. الدم والأرواح التي ما زالت تزهق، وبسبب سياسة “جورج بوش” الذي مثلما بيّن مقدار تآمره مع أصدقائه ومساعديه والخونة والحلفاء والمقاولين المشاركين في شنِّ هذه الحرب، بيّن مقدار ما لدى إدارته وأسرته وجنوده، من فساد واستعلاء وأطماعٍ لا تعرف حدّاً..
نعم، “ضريبة الدم” كتابٌ يستعرض السيناريو الكامل للحرب على العراق، بدءاً من اختلاق الذرائع مروراً بالوعود الكاذبة لبناء عراق ديمقراطي حضاري، وصولاً إلى نهب ثروات هذا البلد بشكل كلي. أيضاً، بثِّ الفوضى وهدر الدماء في كلّ أنحائه، وتقطيع أوصاله. ناهيك عن الصفقات السرية والمساومات التي استهدفت بتروله بمباركة الكونغرس الأميركي، ومشاركة أكبر وأضخم الشركات العالمية.
“لم يسبق أن ارتبط اسم شركة بالحرب في التاريخ الأميركي مثلما ارتبط اسم شركة “هايبرتون” بالعراق، فالجيش الأميركي كان يعتمد في وجوده عليها، فقد بنت عشرات القواعد العسكرية على امتداد البلاد، كما شيدت مدناً صغيرة، تضمن تدفق النفط والغاز العراقي.
السرّ في ذلك، أن مديرها التنفيذي، هو وزير دفاع الإمبراطورية الأميركية “ديك تشيني” الذي يمثل أكبر تاجر نفط في العالم وقتها…”..
كلّ هذا وسواه من تفاصيل الحرب والقتل والنهب والدمار، ومن المخططات التي انشغل سماسرة الحرب والمسؤولين الأميركيين بها أكثر من انشغالهم بإعادة الإعمار.. كل هذا تمّ نقله عن بعض هؤلاء المسؤولين ومنهم، “بيل كيلر” الذي كان أكبر مسؤول أميركي في وزارة الاتصالات، والذي كان قد أخبر “ميلر”:
“الجو السائد كان، أن صندوق تنمية العراق، ما هو إلا أموال العراقيين. إنها ليست أموال الضرائب، ولهذا يمكننا إنفاقها على وجه السرعة.. كنا نبذر الأموال التي كنا مؤتمنين عليها، وكان وضعنا يشبه وضع فأرٍ أعمى، يمتلك المال الكثير”..
باختصار.. “ضريبة الدم”.. كتاب هُدرت فيه الأرواح، بشرورِ الأشباح.. تكالبت فيه الدول والشركات الكبرى على نهب ثروات العراق الذي بيّن الكاتب حقيقة المؤامرة التي أدت إلى شنَّ الحرب عليه، وبتعقبه لمجريات الأحداث التي جعلته ينقلها بأمانة الصحفي الذي سمع ورأى بعينيه:
“السلوك غير الأخلاقي في هذه البلاد، هو طريقة حياة”.. حياة تتوالى فيها عمليات التفجير والاغتيالات والصفقات التي دفع ثمنها الشعب العراقي دماً غالياً، هدرته امبراطورية الشرور والإجرام والادعاءات..
يختم الكاتب برسالته: “ارفعوا أيديكم”.. رسالة العقيد الأميركي “ويستهوزنغ” الذي كان أرفع ضابط عسكري، والذي وُجد منتحراً والسبب كلماته:
“لا أستطيع الاستمرار في دعم مهمة تقودني إلى الفساد وخرق حقوق الإنسان.. تشوهت سمعتي.. أشعر بالعار.. لا ينبغي أن يشن الحرب إلا رجال يمتلكون الشرف والشجاعة والهدف. عمدنا إلى دفع الأموال إلى حفنة من المقاولين، لكي يقوموا بهذه المهمة عنا.. تبين لنا أخيراً أن الحرب هي عمل يتميز بالجشع، والقذارة وبعقلية المتاجر الصغيرة”..