الثورة أون لاين- هفاف ميهوب:
/حزمتْ كلّ العصافير نسيم الشوق في ريشِ جناحيها وقالت: سأهاجر/ ذبلت زقزقتي حزناً على غصنِ الحناجر/ نبتَ الشوك بأعشاشي وجف اللحن في نبضي وأدمى جانحي جوع البيادر/..
/نحن من أعطى الإنسان في البدءِ هويّة/ وحروف الأبجدّية/ كيف يا رباه نحمي ثدي أم عربيّة/ من حليب الجاهلية/ من صراخٍ يتمطّى في كتابِ العنجهيّة؟/..
أبياتٌ لشاعرٍ، تجعلنا نقولُ قوله: “ليس شاعراً من لا يحاول استنبات النبضات المضيئة في حياة أمته، وليس أديباً من لا يزرع بذور التفاؤل في نفوس أبنائها، وليس مفكراً من لا يغزل من خيوط الظلام ثوب الفجر المضيء”.
إنه المفكر والشاعر “عبد اللطيف محرز” الذي كُرّم منذ أسابيع من قِبل “الملتقى السوري للثقافة” بسبب تميزه وإبداعه الفكري والأدبي. التكريم، الذي جعلنا نشعر بأن من الأهمية استدعاء سيرته وبعض أقواله وقصائده. أيضاً، بعض القضايا الفكرية التي تناولها، والتي أشار فيها إلى أن ما مزّق ماضينا وحاضرنا:
“هناك دولة واحدة هي الأكثر قوة وتسلحاً، والأبعد عن معايير القيم والأخلاق. تسعى لفرض حضارتها على الشعوب في إطار عولمة “سوقية الاتجاه”. تتصرف على هواها بدافع من جنون العظمة، لا تأبه بالشرعية الدولية إلا بمقدار ما تخدم أطماعها.
هذه الدولة المتغطرسة، وجدت في المشروع الصهيوني مثالها التاريخي “وجوداً وتوسعاً وعدوانية” فمنحته الحنان ووعدته بالأمان، وأرخت له حبل العنان لممارسة العدوان.
كل شيء يا صديقي يأتي ويذهب، يحيا ويموت، لا شيء يبقى إلا مبدأ التحول التاريخي المستمر، وهذا المبدأ لن يقف عاجزاً أمام الغزوة الاستعمارية المتصهينة، ولا أمام الإمبراطوريات الرومانية الجديدة المتأمركة”.
هذا بعض ماكان “محرز” ابن قرية “بيت ناعسة” التابعة لمنطقة “صافيتا” قد كتبه في مجلة “الفكر السياسي” وتحت عنوان “التفاؤل التاريخي”.
هذا بعض ما كان قد كتبه، وهو الشاعر الذي ألهمته البيئة التي نشأ وترعرع فيها، التحليق منذ طفولته مع “العصفور الأخضر”.. أول ديوان عكس فيه رهافة روحه، وبكلماتٍ تشبه الطبيعة التي تماهى فيها إلى أن انطلق إلى الفضاء الأكبر.
انطلق من فضاء الحياة وحلمها البريء، إلى كلّ الفضاءات التي أشعرته بالقلق والضيق.. ذلك أن الإنسان بات هدفه، والارتقاء به وبعقليته وفكره بات مايشغله… انطلق دون أن يبالي إلا بصوتِ الشعر.. صوت الحياة والعقل والوجود الذي تشهد عليه “أناشيد البحر”:
/أنتَ يابحر تعرف السرّ، قل لي/ وتجاوز عن شدّة الإلحاح/ قل مهلاً ياصاحبي لا تغطّي/ صحوةَ العقل، عتمةُ الأشباحِ/ ..
لاشك أنه ماأطلق هذه الأناشيد، إلا رغبة منه بأن يصحو العالم الذي خلع عنه الضوء فتعرى من القيم والإنسانية. العالم الذي اضطرّه لإعلان الغضبِ على تخاذله وتآمره وخيانته، وعلى ما شهده منه وكانت فيه مواقفه القومية هي ذاتها الوطنية.
نعم، مواقفه القومية هي ذاتها الوطنية، لأن كل القضايا التي تتعلق بمصير الإنسان والأوطان هي قضاياه، وكل بلدٍ مقاوم هو “جنوبٌ” قد ناداه:
/يا جنوباً، يا منبعاً للأماني/ يا شفاءً لعلّة الأكباد/ صَمَتَ العُرْبُ خُنَّعاً وتصدَّيتَ/ شموخاً معزَّزَ الأطوادِ/..
ليس الجنوب فقط، بل كل دولة عربية تواجه بمواقفها العروبية، أميركا والصهيونية.. تواجهُ غطرستهما وشرورهما واعتداءاتهما واحتلالهما الغبي، بل وسعيهما للقبض على عنقِ العالم ولاسيما العربي.
إنه ما جعله يستخرج أسرار البشرية الموغلة في العمق، لتهدر بعدها قصائده بـ “أناشيد الحياة” التي اضطره تكالب الأشرار على إنسانها وأوطانها، لمواجهتهم بـ “أناشيد الحق”..
الأناشيد المرفوعة أبدَ يقظتها بعشقه لكلِّ ما يُحيي الحقيقة في سوريته الشامخة أبد شموخ قاسيون شآمها.. فـ “دمشق باصرة التاريخ” ونختم بقوله عنها:
“لا خير في قلبنا إلا إذا خفقا/ ولا بجمرِ الهوى إلا إذا حرقا/ لقد كواني حب الشام من صغرٍ/ وزادني أرقاً واعتادني قلِقا/ من لم يذق مجدها عزاً ومعرفة/ كأنه في سجل الخلقِ ما خُلقا/.