الثورة أون لاين- أحمد حمادة:
لأنّهم بلا تاريخ، ولا هوية، ولا جذور في المنطقة العربيّة، ولا حضارة، ولأنهم بلا حجارة منحوتة منذ آلاف السنين تدلّ على أيّ أثر لهم، كما هي حجارتنا، وأعمدتنا، وقلاعنا، وأسوارنا، وتماثيلنا، وتلالنا الأثريّة، وكنائسنا، وجوامعنا العتيقة، التي تؤكّد رسوخ حضارتنا في هذه المنطقة منذ الأزل، فإنّ الغزاة الصهاينة يبحثون عن أيّ وجود لهم في هذه الأرض المعطاء.
ولأنّ كيانهم الإسرائيليّ كيان مصطنع، اخترعته أميركا والغرب الاستعماريّ كي يؤدّي دوراً وظيفيّاً يخدم أجنداتهم العدوانيّة على مرّ الزمن، فإنّهم يحاولون أن يخترعوا أيّ أثر يدلّ على أنهم مرّوا من هنا، وأنهم سلكوا يوماً أيّ درب من دروب هذه المنطقة، ويحاولون أن يجدوا لهم مكاناً شرعيّاً تحت أشعة شمسها.
لم يكتفوا بتزوير الوثائق الفلسطينيّة ونسبتها المزعومة لهم، ولم يكتفوا بمحاولة هدم كلّ ما هو عربيّ وفلسطينيّ، وما فعلوه للأقصى عبر عقود خير شاهد، بل سرقوا كلّ ما استطاعوا إليه سبيلاً من آثار فلسطينيّة، وادّعوا وروّجوا أنّها من تاريخهم (العبريّ) المزيّف، وها هم اليوم يسرقون (حجر أو حوض معموديّة) أثريّ من بلدة تقوع في بيت لحم يعود للفترة البيزنطيّة، ويحوي رسوماً وكتابات قديمة وصلباناً محفورة، ويرحّبون بما سمّوه “استعادة هذا الأثر التاريخيّ بعد سنوات من البحث”، على حدّ زعمهم.
ومثل هذه السرقات الموصوفة لم يرتكبوها في فلسطين المحتلّة فقط، بل أوعزوا لتنظيماتهم المتطرّفة في سورية والعراق بتدمير آثارنا، وسرقتها، والمتاجرة بها كي يطمسوا تاريخنا البهيّ، وحضارتنا العالميّة، ويخترعوا بالمقابل تاريخاً لهم، لأنهم يحاولون أن يجدوا لكيانهم السرطانيّ المصطنع إرثاً مزوّراً ليثبتوا أنّهم من نسيج منطقتنا مهد الحضارات، ولذلك نراهم يلهثون ليجدوا قطعة حجر تشير إلى مزاعمهم وأوهامهم.
ومثل هذا الكلام لم يحصل في بيت لحم، أو القدس المحتلة فقط، بل تكرّر كثيراً في كلّ قرية، ومدينة في فلسطين، والجولان المحتلين، وللدلالة على ذلك قرأنا كثيراً في الإعلام الغربي كيف يقوم هذا الكيان الغاصب بتوجيه نحّاتيه وفنّانيه كي ينحتوا حجارة يكتبون عليها حروفاً عبريّة مزعومة، ويدّعون أنها تعود لآلاف السنين، لأنهم يدركون أنّ الغرب أوجدهم في أرض ليست أرضهم، ورموز وآثار ليست رموزهم.
فكم سرق هذا الكيان الغاصب من مخطوطات قديمة وعرضها في المتاحف العالميّة على أنها “إسرائيليّة” كما كان الأمر مع (لفائف البحر الميت)، وكم كانت اللوحة ساخرة حين قامت ما تسمّى وزيرة الثقافة الصهيونية يوماً بارتداء ثوب فلسطينيّ عليه قبّة الصخرة، ومطرّز بالنقوش الفلسطينيّة في أحد المعارض في أميركا اللاتينية عندما لم تجد رمزاً إسرائيليّاً تتباهى به، وقالت للحضور: “إنّه تراثنا الإسرائيلي” المزعوم.
لأنهم بلا هوية إذاً، ولا حضارة، ترتكز ممارساتهم على النهب المنظّم للآثار العربيّة ونَسبِها إلى كيانهم الغاصب، وتعكس سياساتهم نهجهم القائم على التزوير، والبلطجة، والنهب، والسرقة، لكن يبقى السؤال الأهم: أين ما يسمّى المجتمع الدولي، ومؤسساته، وهيئاته، بما فيها منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) من هذه السرقات الموصوفة؟، وأين دورها في الحفاظ على التراث العالمي؟، ومتى تتحمّل مسؤولياتها وتحمي التراث الفلسطينيّ من اليد الصهيونيّة الغادرة؟، ومتى يأتي اليوم الذي تحاسب فيه هؤلاء اللصوص على سرقاتهم الممنهجة للموروث الحضاريّ، والتاريخيّ، والدينيّ، الفلسطينيّ؟.. وأخيراً متى يستيقظ الضمير العالميّ ويكفّ عن سياسة الصمت تجاه هذه الجرائم الصهيونيّة؟.