الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
مما لا شك فيه أن ولادة العمل الدرامي إلى النور مسألة لا يستأثر بها ممثل أو مخرج بشكل مطلق ولا يحتكرها كاتب أو جندي مجهول وراء الكاميرا، إنها عملية جماعية تتفجر خلالها مختلف الطاقات الإبداعية وتتكامل كل وفقاً لاختصاصه وطبيعة دوره لتصب في النهاية بخدمة العمل ليخرج بأبهى صورة، والماكيير أحد العناصر الفاعلة في هذا الإطار وله أثره الكبير في إنجاح أو إفشال العمل .
وتبرز أهمية المكياج في قدرته على منح الشخصية المؤداة شرعيتها ومصداقيتها في مناحيها الثابتة والمتغيرة وفي الحالات المتنوعة التي تطرأ عليها عبر الأفعال المختلفة والمواقف المتعددة (الغضب ، المرض، الإرهاق ..) فهو مدخل مهم إليها ينير أبعادها للممثل والمشاهد معاً، ولعل أكثر ما تتجلى مكانته بشكل واضح عبر الأعمال التاريخية والفانتازية وتلك التي تستدعي من الممثل أن يؤدي عدة شخصيات متباينة الملامح هذا بالإضافة إلى الأعمال التي تعتمد على الخدع البصرية لإقناع المشاهد بها أو تلك التي تمر بتطورات زمنية (تكبير أو تصغير) أو تتطلب جروحاً وندوباً وتشوهات ، كما أنه يمتلك القدرة على المساهمة في صناعة الكركتر الخاص بالشخصية ، والأمثلة على ذلك كله كثيرة ، ففي الأعمال البدوية هناك الكحل العربي الذي يتميز به البدو والوشم على الذقن. بينما الأعمال التاريخية ترتبط بمكياج خاص يلائم الفترة الزمنية المحددة ، أما الأعمال الفانتازية فتعتمد الخيال والمبالغة ما يضطرها للمكياج الحاد أحياناً .
ويعتبر مكياج الشخصية جزءاً أساسياً من لعبة الإقناع والصدق في الأداء ، فهو نوع آخر من لبس الممثل للشخصية وتحديد ملامحها وأبعادها ، ويساعده على القيام بعملية الفصل ما بين شخصيته الحقيقية والشخصية التي يؤديها ودخول عوالمها ، وبالتالي إظهار أدائه الداخلي وترجمته بشكل صحيح.
وتعتبر الخدع البصرية واحدة من الاختصاصات بالغة الصعوبة في المكياج لأنها تتطلب من الماكيير ألا يقرأ النص فقط بل أن يحضر الحالة الدرامية للمشهد وكيفية تنفيذ المخرج لها ، هذا ما يؤكده الماكيير أحمد حيدر مشيراً إلى أنه في مشهد تفجير قنبلة (على سبيل المثال) ينبغي إجراء تشويه للممثلين المصابين لكن التشويه يختلف وفقاً لطبيعة الانفجار ومكانه ومدى الإصابات الناتجة عنه وما إلى ذلك ، ويحكي عن تجربته في أحد أشهر المشاهد ضمن الجزء الأول من مسلسل (أخوة التراب) ، يقول : قمت في الجزء الأول من العمل بإجراء خدعة الإعدام بالخازوق، إذ وضعت على امتداد كتف وصدر وظهر الممثل قناعاً من الجلد ووضعت فيه مادة المطاط الطبيعي ثم تم لصق الشعر فوق هذه المواد ليظهر كأنه جسم إنسان طبيعي، أما خشبة الخازوق فربط معها خرطوم شفاف ليضخ من خلاله سائل أحمر اللون (علامة على الدماء) وتم إدخال خشبة الخازوق من تحت هذا الغطاء الجلدي ليخرج منه عند الكتف ممزقاً إياه ومحدثاً جرحاً ظاهراً للعيان فسال الدم عبر الخرطوم وظهر المشهد بالشكل المناسب على الشاشة.