تحدثنا في مقال سابق عن احتمال عودة الانتداب الفرنسي إلى لبنان بعد أن أصبح كما قال وزير الخارجية الفرنسي لودريان: ” لبنان إلى زوال “.
ليأتي الرئيس ماكرون كمفوض أوروبي، وبعض أميركي في مئوية لبنان الكبير 1920، ويرفع الصوت مخاطباً المسؤولين اللبنانيين: الإصلاحات أمامكم والعقوبات وراءكم، وعليكم أن تفوا بوعودكم الإصلاحية كي أضمن لكم موقف المجتمع الدولي وإلا فسأقول لهذا المجتمع أن ” لبنان فالج لا تعالج ” بمعنى أن هذا المجتمع الذي كلفني بالمجيء إليكم وإنذاركم سوف يقوم بما يجب القيام به بتوقيع عقوبات اقتصادية مفتوحة على كل من ساهم في الانهيار الاقتصادي، وسأقول للشعب اللبناني: إن مسؤوليكم لا يريدون الإصلاح، بمعنى أن عليكم أن تنظموا صفوفكم وتختاروا قيادتكم وتتحركوا للتغيير في الإطار الدستوري وليس بالفوضى، فأنتم من انتخبتم هذا الطاقم وعليكم إثبات أنكم شعب جدير بالحياة في دولة قادرة على البقاء.
إن كل المسؤولين الذين حضروا إلى الطاولة المستديرة في قصر الصنوبر، وهو القصر الذي شيدته عائلة سرسق عام 1916 ليكون كازينو ضمن مرمح سباق الخيل، واشترته فرنسا ليكون مقراً للمندوبين الساميين ثم مقراً للسفارة بعد الاستقلال عام 1943، له رمزيته الكبيرة، أجمع هؤلاء المسؤولون بأن ماكرون يتحدث من أرض فرنسية، وقد أخذ راحته في تحذيرهم من مغبة الاستمرار في ممارساتهم، وتناتف المنافع والمصالح الشخصية والطوائفية، فإن عهدهم سينتهي بهم وبلبنان إلى الهاوية، والعالم لن يقف متفرجاً بعد الآن.
وعندما حرضه بعض الحاضرين وهم أساساً ميليشاويون على سلاح حزب الله أبلغهم بصريح العبارة أنه لا يريد البحث في مسائل خلافية وأنه يحتفظ بموقفه من هذا السلاح لكنه لا يمكن أن يتجاهل حزباً منتخباً وممثلاً في البرلمان والحكومة، كما لا يريد أن يبحث في انتخابات نيابية مبكرة يعرف أنها ستعيد إنتاج نفس الطبقة.
ولا يريد أن يبحث في “حياد البطرك الناشط ” مع أنه يؤيده، لكن الوقت لا يسمح بذلك، وما تسرب عن أوساط بكركي يؤكد أنه نقل لراعي الحياد أن هذا الطرح يقسم لبنان.
والذين قرأوا بتمعن ورقة ماكرون الإصلاحية والمدة الزمنية، والأهم في النظام الاقتصادي في تلميح إلى السياسة المالية والنقدية للبنك المركزي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، أدركوا أن ماكرون يعني ما يقول في موضوع الأموال المهرَّبة إلى الخارج حيث بالإمكان وضع اليد عليها، وهذا بحد ذاته الذي أرعبهم، وفهموا أن ماكرون سيكون له كلام آخر مقرون بالفعل.
إن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالأقوياء ولهذا خص ممثل حزب الله مرة أخرى بلقاء أثار ريبة وضغينة وحسد الحضور، ومع أن التكتم أحاط بهذا اللقاء، إلا أن العارفين يدركون أن ماكرون لا يستطيع أن يملي على حزب الله أي شروط، فهو رجل براغماتي ويعرف أن حزب الله تعدى محليته إلى الإقليمية والدولية وأن الشرق بالانتظار، وهذا ما يخشاه العالم.
نتمنى أن لا تصدق توقعات لودريان، مادام الشرق موجوداً ويقوى يوماً بعد يوم، وإن غداً لناظره قريب.
معاً على الطريق – د. عبد الحميد دشتي