شكلت الزيارة الروسية الأخيرة إلى دمشق بوفد مميز ونوعي سياسي واقتصادي رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الوزراء وعضوية وزير الخارجية إلى سورية في هذا التوقيت، شكلت إضافة لافتة لدورها العسكري الذي تطوّر إلى مستويات وأشكال عدة كانت تقتضيها مراحل ونوعية المعارك التي خاضتها سورية وحلفاؤها.
وأهمية هذه الزيارة أنها جاءت بعد محاولات أميركية لتفخيخ اجتماعات جنيف التي اعترضت روسيا على بعض تفاصيلها التي لم يؤخذ باعتراضها آنذاك، فجاء الموقف الحاسم من القيادة والشعب السوري بأن من يقرّر مصير سورية والحكم فيها هي سورية وسورية وحدها وهكذا كان حيث حافظ الصمود السوري على هيكلية الدولة والتمسك بوحدة الأرض.
منذ البداية أدركت روسيا أن تدخلها لن يكون سهلاً، ولا يمكن أن تضع نفسها في اختبار قوة مع أميركا وحلفائها، لو لم تتحقق أنّ سورية وحلفاءها صامدون وأنّ العدوان لن يحقق أهدافه.
لقد كسر الدخول الروسي الأحادية القطبية الأميركية إلى الأبد، وستنجح ربما بكسر عقوباتها الآحادية الهوجاء على الشعب السوري لمنعه من إعادة إعمار ما دمرته الحرب الكونية بالتعاون مع الحلفاء فقط، إذ لا مكان لأي جهة شاركت في العدوان.
ومن هنا يمكن أن نعرف لماذا يشتد الحصار الأميركي على الشعب السوري ومنعه حتى من أبسط مقومات الحياة الكريمة تحت عناوين افترائية وكاذبة كما أشار مندوب سورية مؤخراً الدكتور بشار الجعفري في خطابه أمام مجلس الأمن، بأن الغرب لن يتمكن من التغطية على آثار إرهابه الاقتصادي بحق سورية .. ومزاعمه حول (حرص إنساني) لن تخفي حقيقة جرائمه الرامية لخنق الشعب السوري.
وهذا يتزامن مع العقوبات التي فعَّلتها أميركا على إيران الأحد الماضي، ومع عقوبات أخرى على شخصيات وشركات لبنانية معارضة لسياستها ولعملية التطبيع التهريجية التي أضحكت العالم أجمع في مشهد ذل وخنوع وانكسار. ولهذا حديث آخر يتعلق بالتطبيع مع أنظمة مهترئة الذي رفضته الشعوب العربية وبدأت بتحشيد الجبهات لمواجهة أنظمتها الخانعة.
قد يصف البعض المشهد اليوم بأنه في حالة مراوحة ويستبعد فيها الحسم القريب لاعتبارات دولية وإقليمية وذاتية ولهذا يأتي الوفد الروسي إلى سورية في شكل «تظاهرة اقتصادية سياسية» حملت الكثير من الدلالات والرسائل، فروسيا تنظر إلى الوضع السوري بأنه وصل الى الحد ما قبل النهائي، وتريد أن تفتتح مرحلة ما بعد الحرب وهي إعادة الإعمار.
كما تريد روسيا أن ترسل رسالة حاسمة إلى أميركا مفادها أنّ «قانون قيصر» وكلّ التدابير التي تتخذها من أجل منع إطلاق إعادة إعمار سورية أو منعها من المشاركة فيها أو وضع إعادة الإعمار تحت السيطرة والقبضة الأميركية لن تجدي نفعاً وأنّ من أفشل العدوان الإرهابي في الميدان قادر على المساهمة في إفشال الإرهاب الاقتصادي. والحصول على الموقع التفضيلي في الاستثمار واستخراج الثروة النفطية والغازية وهي ثروة باتت كما هو متوقع ان تكون من كبريات الثروات في العالم.
إن روسيا ترى في الملفات الأخرى، إدلب وشرقي الفرات لن تحسم في المستقبل المنظور، ولهذا فهي لا تريد الانتظار طويلاً للبدء بإعادة الاعمار.
أما عن الوظيفة العسكرية للزيارة، فقد بقيت بعيدة عن التداول لأنها تدار بشكل مباشر من الرئيس بوتين والرئيس الأسد.
وإن غداً لناظره قريب
معا على الطريق -د.عبد الحميد دشتي